يصح في من تعشى اعينهم عن رؤية النور الذي جاء به نبي الرحمة, ثم لا يتهمون ابصارهم الكليلة, بل يذهبون يخوضون في الاسلام, ويتخافتون في ذلك أو يجهرون.. يصح في هؤلاء قول المعري:
وقال السهى للشمس انت خفية
وقال الدجى يا صبح لونك حائل
وطاولت الارض السماء سفاهة
وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
أو كما قال في قصيدة اخرى:
تعاطوا مكاني وقد فتهم
فما ادركوا غير لمح البصر
وقد نبحوني وما هجتهم
كما ينبح الكلب ضوء القمر
او كما قال المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مراً به الماء الزلالا
فهي إذن عقول منخوبة وحواس مضروبة معطوبة وافواه تتناقل المنكر من القول, وتهرف بما لا تعرف, وتضاهئ تخرّصات اقوام يضيرهم ان يبسط الاسلام ظلّه في الارض, فتكون رحمة ويكون عدل ويكون جنوح للسلم, على هدى وبصيرة, بين الامم, وتكون كلمة سواء يتنادون اليها, ويكون قسطاس مستقيم يحتكمون اليه, وميثاق يتواثقوا به, فلا يظلم بعضهم بعضاً, ولا يتخذ بعضهم بعضاً ارباباً من دون الله ويراعون رحمهم الجامعة, ويتقاسمون عيشهم في الارض اخواناً.
إن هذه كلها هي مقاصد الاسلام, يعرفها حكماء الامم وعقلاء الشعوب ويعمى عنها من ضربت الاهواء والمنافع والاحقاد على بصائرهم بالأسداد, سواء أكانوا افراداً أم جماعات, أم دولاً يحول حضور الاسلام بينها وبين ما تبلوه البشرية من ظلمها واعتنافها وعدوانها.
إن لسان حال الاسلام اليوم هو قول الشاعر:
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة
ولا ذنب لي الا العلى والفضائل
وإن بنا ان نقول إن الاسلام هو الميزان الذهبي الذي توزن به العقول, والاخلاق والضمائر, وهو الدين القويم الذي قال فيه اديب ألمانيا الأكبر «غوته» حين ادرك بعضاً من جمالاته: «إذا كان هذا هو الاسلام فأنا من المسلمين»..
ولكن في الناس من لهم أعين لا يبصرون ومن لهم آذان لا يسمعون بها, ومن حجبتهم الجهالة, واستكن الحقد قلوبهم, أن يفقهوا عظمته او يستبينوا رسالته.
إنه لا ريب أن المعرفة هي سبيل المحبة, وأن الضمير الحي هو سبيل الانصاف, فإن حضر هذان امكنت الرؤية الحقّة وإن غابا أو غيّبا, اطبقت الظلمة وأبعد الهويّ ونودي الجمع من مكان بعيد.