من يشرع القانون ... لا يخالفه

في العشرينات من القرن الماضي والدولة الأردنية في بداية التكوين ... أوغل شرطي فرسان من الميراث العثماني بشتم وضرب الناس في قرية أردنيّة حدثت فيها مشاجرة بين عائلتين من أبناء العمومة ... وصل صوت الخيزرانة ( طاخ ... آخ يا ويلي ) إلى أحد الكهول والدلة تفور أمامه بقهوة الصباح ... دخل الأمباشي المضافة وقد جذبته رائحة القهوة ... أكمل شتيمة في الخارج ودلف من الباب ثم توقف مندهشاً ... كان جدّنا قد أفرغ الدلة على النار وقد غام المشهد بالدخان وبخار القهوة ... دلق او كب القهوة في النار وكفي الدلال اكبر صرخة احتجاج في المجتمع الاردني القديم ... خرج الجد والعريف يلحق به ذاهلاً ... قال الجد جملة تردّد صداها بين المضافات وحقول الحصاد ومراعي الأغنام ... أنت ما تقدر تضرب أرنب ... لكن هدومك اللي يضربن ما هي أيدك ... ولأن الأمارة كانت بحجم شجرة السنديان وكل حادث فيها يصبح خبرا يتصدر الحكايات . فقد وصل الخبر إلى المقر .
قبل أن يجف الحبر على رسالة الأمير الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين . كان محمد علي العجلوني قد أوقع عقوبة قاسية على الأمباشي والجندي ... الحكاية تكررت بعد أن كبرت شجرة السنديان لتصبح هدوم جندي الفرسان حصانة برلمانيّة يستغلها قلّة من نواب الشعب والوطن في استعراض قوتهم وإيذاء أبناء شعبهم ... أحدهم ضرب مواطناً في الشارع وآخر استقوى على عامل مطعم بالكفوف والبوكسات ... أبو هدوم إياه يوقف سيارته بشكل مخالف ويتشاجر مع رقيب السير الذي حرر المخالفة ... عامل اصطفاف السيارات يلجأ للشرطة بعد أن أكل بدناً من نائب ... هل نسينا الكلاشنكوف الذي لعلع رصاصه في البرلمان بسبب خلاف تافه بين نائبين ..؟؟؟
نحمد الله انه سلوك فردي لا يمارسه كل رجال غرفة التشريع ... ففي المجلس الذي سيودعنا بعد حين رجال وسيدات يتصرفون بعقل الكبار الذين اسسوا مدرسة لعلاقة الناس بالناس ويتواضعون أمام السواد الأعظم من خلق الله ... ولكن بعض المشرعين إياهم يخالفون القانون وقد أمضوا وقتا في مناقشته وأجمعوا على تغليظ عقوبة المدخنين في الأماكن العامة ... السادة أشعلوا سجائرهم تحت القبّة قبل وبعد نفاذ القانون رغم تشديد رئيس المجلس على تطبيق القانون اياه في اروقة صناعة التشريع ... لحقنا عبر ذلك القانون بركب الحضارة العالميّة التي تحاول تخفيف مضار التدخين على غير المدخنين ... تترك للمدمنين عليه غرف خاصة لإشباع رغبتهم .. حتى المطاعم أصبحت صالتين ... واحدة للمدخنين وأخرى للأصحاء ... في وسط مدينة شيكاغو قرب برج سيرز شاهدنا رجالاً ونساء على الرصيف يدخنون وقد هبطوا من مكاتبهم في الطوابق العليا لأن الشركة لم تخصص غرفة التدخين بعد .... مخالفة القانون من قبل المشرّع الذي ناقشه واجازه ... وما كان ليصدر الا بتلك الموافقة .. تشكل لطمة لمجتمع تنظم حياته القوانين والانظمة الصادرة بموجبها ... سيبدأ الاخرون بالتدخين هنا وهناك ... يجيبون السائل بمقولة .... ليش هم النواب اكبر جد واحمر خد منا ؟؟؟ هل نسينا ان تدخين بعض نوابنا في البرلمان اصبح من نوادر الاخبار في الاعلام العربي والعالمي ؟؟؟ ... نحن نغار على رجال المراقبة والتشريع في بلدنا لانهم اضاءة في عتمة الديمقراطية العربية ... هيه يا رجال ... جيرة الله عليكم استروا على تالي ايامكم بدار التشريع ...