"الحكي مش جريمة"

"الحكي مش جريمة" حملة شعبية تطالب بإلغاء المادة "11" من قانون الجرائم الإلكترونية التي أصبحت تطبق على الإعلاميين في المواقع الإلكترونية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وتجيز التوقيف والحبس بحقهم.
قبل إقرار قانون الجرائم الإلكترونية في شهر حزيران من عام 2015، وقبل أيضاً قرار ديوان تفسير القوانين الذي صدر في شهر أكتوبر من العام الماضي واعتبر أن قانون الجرائم وخاصة المادة 11 منه هي الواجبة التطبيق في "جرائم" القدح والذم المرتكبة بواسطة المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، كان الإعلاميون يلاحقون بموجب قانون المطبوعات والنشر الذي لا يتضمن عقوبات سالبة للحرية.
كانت الحكومة قبل هذا التوجه الذي يفرض قيوداً إضافية على حرية التعبير والإعلام تتغنى ليلاً ونهاراً بالامتيازات التي يمنحها قانون المطبوعات، وحتى حين عدلت القانون عام 2012 وفرضت الترخيص المسبق على الإعلام الالكتروني وحجبت 291 موقعاً الكترونياً ظلت تردد وتقول "رخصوا مواقعكم حتى تتمتعوا بالحماية من العقوبات السالبة، وان لم تمتثلوا للقانون المعدل وترخصوا مواقعكم فإنكم ستحاكمون بموجب قوانين أخرى مثل قانون العقوبات وفيه توقيف وسجن".
سؤالي للحكومة الآن بعد أشهر على تطبيق المادة 11 من قانون الجرائم الالكترونية وتوقيف "7" إعلاميين ونشطاء تواصل اجتماعي؛ أين ذهبت وعودكم بالحماية من العقوبات السالبة للحرية؟!
حملة "الحكي مش جريمة" مبادرة أطلقها مركز حماية وحرية الصحفيين وتسعى الى حشد التأييد المجتمعي للضغط على الحكومة والبرلمان للمطالبة بإلغاء هذه المادة القانونية التي ترهب الإعلاميين وكل من يستخدم "السوشيل ميديا" وتدفعهم لزيادة الرقابة الذاتية على أنفسهم حين يكتبون ويعبّرون عن مواقفهم، وتعتقد الحكومة بأنها بهذا الإجراء تقلص مساحات النقد الموجه لها، وتعيد ضبط العالم الافتراضي بعد أن عملت لعقود على السيطرة على الإعلام التقليدي ووضعته في "بيت الطاعة".
حملة "الحكي مش جريمة" على صفحتها في الفيسبوك تحظى بتفاعل لافت، فخلال أقل من أسبوعين على انطلاقها شاهدها أكثر من 200 ألف، وهي تستقطب مساهمات إبداعية تعبر عن الرفض لسياسة تكميم الأفواه، والصفحة منصة حوار لآراء متعارضة ومختلفة.
القضية الأكثر إثارة للجدل، هل الشعار الذي رفعته الحملة يعني إعفاء من يستخدمون وسائل الإعلام الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي للإساءة والشتم والتحريض من المساءلة؟ الإجابة بكل وضوح بالطبع لا، فلا أحد فوق المساءلة والقانون، ولكن الحملة تعترض على عقوبة التوقيف والسجن، فمن المعروف أن التوقيف عقوبة مسبقة قبل صدور قرار قضائي قطعي بالإدانة، أما عقوبة السجن فهي تتعارض مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير، فالعالم الديمقراطي لا يتعامل مع هذه القضايا باعتبارها قضايا جزائية، بل قضايا مدنية؛ العقوبات فيها غرامات مالية غير مرتفعة حتى لا يزهق هذا الحق الذي يعلو على كثير من الحقوق، ولا يجوز للقوانين أن ترهقه.
الحملة ستستمر وستمضي وتسعى لكسب تأييد الجميع، وفي ذات الوقت تتقاطع مع جهود الحوار مع الحكومة والبرلمان حتى يتقدموا بمشروع قانون يلغي او يعدل هذه المادة من قانون الجرائم الالكترونية التي تسيء لصورة الأردن في مؤشرات الحرية دولياً.
أزمة الحريات وخاصة حرية التعبير والإعلام لم تبدأ بقانون الجرائم الالكترونية ولن تتوقف عنده، فالمشكلة الأساسية أن التشريعات تستخدم كأداة تقييد في الأردن، ويكفي أن نقول إن مراجعة سريعة تكشف عن حزمة قوانين ضاغطة على حرية الإعلام مثل قانون المطبوعات والنشر، وقانون العقوبات، وقانون منع الإرهاب، وقانون محكمة أمن الدولة، وقانون حق الحصول على المعلومات، وقانون وثائق وأسرار الدولة وغيرها.
مطلوب مبادرات مجتمعية كثيرة للدفاع عن حرية التعبير، وعليها أن ترفع صوتها الرافض للقيود لعل الحكومة تبادر إلى التغيير أو يتحرك البرلمان لمناصرة الناس.