هل تعلن الحكومة مسؤوليتها؟!

يعقب تنفيذ أي عملية إرهابية إعلان جهة ما مسؤوليتها عن الجريمة. وعندنا الكثير من الجرائم التي تُرتكب بحق المجتمع، إنما من دون أن يعلن أحد ما تبنيها، فتبقى المحاسبة غائبة طالما أن المسؤولية مقيدة ضد مجهول.
إفقار الناس، كما تثبت زيادة نسب ظاهرة الفقر، هي جريمة اقتصادية-اجتماعية ابتداء، ضحيتها مجتمع بأكمله، وليس فقط أجيالا تنشأ في وحل العوز. والسؤال هو: إلى أي حد ساهمت السياسات الرسمية في تعميق واقع الفقر؛ وهل تملك الحكومة، من ثمّ، الشجاعة لإعلان مسؤوليتها عن ارتفاع نسبة الفقراء بيننا وصولا إلى 20 %؟
إضافة إلى ذلك، فإن لدينا اليوم في الأردن قرابة 370 ألف نسمة هم أفراد أسر غير آمنة غذائياً، أو هشة إزاء الأمن الغذائي؛ بمعنى أنهم لا يقدرون على توفير المجموعات الغذائية الضرورية لبقائهم بصحة جيدة. ولنا تخيل كيف يمكن أن يفكر المرء أو ماذا قد يفعل، إن جاع وعجز عن توفير حاجته من الطعام.
هل للحكومة أن تخبرنا ما هي مسؤوليتها تجاه الشريحة السابقة، وكيف تحاسب نفسها عن وجود آلاف الأسر الأردنية التي تضطر، لتوفير متطلبات عيشها الأساسية من الغذاء، إلى البحث عن نوعيات أقل سعرا وبالتالي أقل جودة، أو إلى "اقتراض" الطعام، وإلا فانتظار مساعدة أهل الخير؟ بماذا تشعر الحكومة وهي تعلم -كما تخبر دراساتها- أن أسر الا تتناول الطعام لأيام؟ هل لديها قناعة بأنها المسؤولة عن هذا القصور الذي يضرب إنسانيتنا في مقتل؟
وشبابنا الذين أغرقت المخدرات بعضهم، أو تمكن الفكر المتطرف من جزء آخر منهم فصار يدور في فلك الإرهاب، من يتحمل مسؤولية ضياعهم في غياهب الانحراف؟ من الذي فشل في تشغيلهم، فألقى في قلوبهم اليأس والإحباط؟
أيضاً، هناك انحدار مستوى التعليم المدرسي بحيث صار يخرّج مئات آلاف الطلبة الأميين؛ معرفة كما قراءة وكتابة. تُضاف إلى ذلك تشوهات أخرى، لاسيما تشوهات المناهج التي يظن من يقف خلفها أنها ستخلق الإبداع بالتلقين، مقدمة بالتالي الحفظ على النقد. وكل ضحايا النظام التعليمي يدفعون ثمن قصور رسمي. تُرى، هل ستعلن الحكومة مسؤوليتها عن ذلك؟ وهل تدرك أصلاً أنها ضيعت أربع سنوات من دون أن تحدث الفرق المرجو في إصلاح التعليم؟
كذلك، فإن تفويت فرصة الإصلاح المالي، وعدم الدقة في الأرقام الاقتصادية، مسألة أخرى يلزم التوقف عندها ومعرفة من يتحمل المسؤولية عنها. إذ كانت الخطة، خلال السنوات الماضية، تقضي بتخفيض عجز الموازنة العامة خلال العام 2015، لكنه زاد -رغم كل ما يُقال رسمياً- لمستويات مقلقة، فهل ستشرح الحكومة ما الذي حصل؟
أما مبدأ الرشد المالي، وقصة القدرة على إدارة شأننا الاقتصادي باستقلالية عن المؤسسات الدولية، فقد باتت الحقيقة بشأنهما مسألة واضحة اليوم؛ لقد فشلنا في ذلك فشلا ذريعا. والدليل على ذلك أن أرقامنا على هذا الصعيد تراجعت كثيرا. ولوزير المالية أن يحدثنا عن ذلك، ويشرح ما هي التطورات السلبية في أرقام المالية العامة منذ نيسان (ابريل) 2015، وهو التاريخ الذي اختتمنا فيه برنامج صندوق النقد الدولي؛ فكيف أصبحت تلك الأرقام مع نهاية 2015؟ للأسف، النتائج تظهر أننا غير مؤهلين لهذا الدور المستقل، وليكون السؤال، مرة أخرى: من يتحمل المسؤولية عن هذه النتائج، وكلفها على البلد؟
وثمة قضايا كثيرة أخرى تنتظر من يعلن مسؤوليته عنها؛ منها التخبط التشريعي، وتنفير الاستثمار، والتنكر لحقوق الفئات المهمشة، والتمييز ضد النساء بالقانون، وضعف مشاركتهن الاقتصادية، كما تعيينات الواسطة والمحاسيب، وغيرها الكثير. فكل تلك الجرائم تُرتكب وما من حكومة أو مسؤول يعلن مسؤوليته عنها.
غياب الإيمان بمسؤولية الدور، كما عدم توفر الإدراك بأن العمل العام تكليف وليس تشريفا، وضمن ذلك انشغال المؤسسة التشريعية أيضا عن دورها الرقابي، هي ما أفرز كل الظواهر الكارثية السابقة. وليبدو المواطن، في النهاية، هو من يتحمل المسؤولية عنها! وإلا فمن سواه؟!