عمات 3.. ندوة

كانت الاكبر سنا بين العمات وبكر والديها وهي مختلفة بهدوئها وبساطة روحها وطريقة حياتها، ويميزها صوتها الذي كانت تلفه بحة كناي حزين، وقلب حاضر وان هو مليء دائما بأنغام الاسى وكأنه من بساتين مزروعة في قلبها دونما سبب، وليس من وسيلة لتجاوزه اساسا لأنه كان ظاهرا اكثر الوقت. وهي اكثر من يعرف الصبر والايمان بالفرج، ولم تتذمر ابدا وقد كابدت وجدت وكان رفيق دربها زوجها عبد القادر المغربي خير عون، ولم يعرف عن ابو كرّيم انه نهرها يوما او غضب منها، وكانا معا على عهد حياة ستر واسرة في بيت يناله حنان الام وكانت تفيض به وعطف الاب ايضا.
والعمة ندوة ام كرّيم كحال نساء جيلها، غير أنها اختلفت عنهن وتفوقت في مناسبات كثيرة، وقد كان بيتها بحواكير مزروعة شجرا وفي حوشه قوارير كثيرة مخصصة للنباتات المنزلية وكان منها الريحان والورد وكانت هناك شجرة ياسمين معلقة ودالية مميزة، وكان يطيب لها حوش الدار، وتحرس على تنظيفه يوميا لاستقبال الزوار فيه، وفي تلك الايام كان الجلوس امام البيوت محببا ولطالما جلست مع نساء حارتها اما بيتها لاحتساء القهوة والشاي والمسامرة حيث كان الرجال يختارون ابواب اخرى للجلوس امامها.
وقد رحلت عن الدنيا راضية مرضية ونفس مطمئنة، وقد ودعناك من بعد صلاة كبيرة عليك وانت تستحقين رجعتك لربك لتدخلي في عباده وجنات النعيم امين. وقد كان آخر عهدك بالدنيا ابناء واحفاد واقارب، ونعلم جميعا اكثر من احببت كان اخوك محمود وهو الذي كان بكل الحرص عليك لتستمري بقوة وكل الحضور وقد ملأت الحياة حبا وكرما، رغم كل الاحوال وان هي قاسية دون ان تبالي من خوف ولم تخذل احدا في اي وقت. وانت الان حاضرة بطيفك وذكراك ومن خلفت، وعساهم من احسن الناس انشاء الله.