3 حكايات من بلدي

خلال فترة زمنية وجيزة كان الاردن الصغير بحجمه ، الشحيح بموارده الطبيعية ، الكبير بطموحاته وعطائه وصبره وارادته ، محط أنظار العالم شرقا وغربا على صعد ثلاثة تباينت شكلا ومضمونا. لكن ثلاثتها تجاورت زمنيا بشكل غير مبرمج وكأنها تنطق بمشيئة الاقدار في حلوها ومرها.

محطات ثلاث توقف الزمن عندها وانحنى ليرفع لانسان هذا البلد قبعة الاحترام والتقدير ، وليدوّن التاريخ بمداد الاستحقاق والانصاف اداء ثلة من ابنائه ، اجتهد كل واحد منهم في ميدان عمله واختصاصه ، فكان العطاء والتميز والتضحية في أبهى صورة.

أولى تلك المحطات كانت ساحة «الفيفا» الدولية التي اخترقتها مبادرة الامير علي بن الحسين بترشحه منذ البداية لتولي ارفع درجات المسؤولية فيها ، بعد ان تأكد للقاصي والداني ان طقوس الفساد قد استشرت في تفاصيلها وعملت نخرا في عظامها ومفاصلها. انجاز الامير الاردني تمثل في الاصرار على كشف الفساد وتشخيصه واستئصاله في الوقت المناسب. ولو كانت دوافع المرشحين الاخرين ، الذين ركبوا موجة الاصلاح لاحقا ، قريبة مما كان يشغل فكر الامير الشاب لكانوا خاضوا معركة المنافسة منذ بدايتها ، اي منذ العام الماضي حين تم تمرير سيناريو اعادة انتخاب الرئيس السابق «بلاتر» الذي فشل في الاحتفاظ بمنصبه المجدد له تحت ضغوط المساءلة القانونية والاخلاقية المتنامية.

لقد ظل المعنيون بهذا الشأن الرياضي العالمي والمتابعون لمسيرة رئاسة «الفيفا» الجدلية يتساءلون عن سر موقف الامير الاردني الشاب واصراره على المضي في مسيرة الاصلاح والتصويب على الرغم من كل الاحتمالات المفتوحة. ولم يمض وقت طويل حتى بدأ الجميع وبالتدريج يدركون ان دور الامير علي في نفض الغبار عن ملفات الفساد كان حاسما في طي الصفحة السوداء من تاريخ هذه المؤسسة الاممية غير الحكومية ، وفتح صفحة جديدة تبشر بالخير والتفاؤل لمستقبل الكرة الساحرة. فكان هذا الدور بمثابة انجاز رفيع المستوى سيسجله التاريخ الرياضي للأمير الاردني.

المحطة الثانية التي برز فيها اسم الاردن جاءت في احتفال توزيع جوائز الاوسكار بتوقيع شاب اردني مبدع هو « ناجي ابو نوار» الذي ترشح فيلمه « ذيب» لأول مرة باسم الاردن للمنافسة ضمن فئة الافلام الاجنبية في هذا المهرجان الكبير.

من الطبيعي ان عشاق الفن السابع في ارجاء المعمورة والعاملين في هذه المهنة الابداعية الرفيعة حاولوا البحث عن اجابة وتفسير لتمكن هذا الفيلم الاردني من الوصول الى هذه المرحلة المتقدمة من التنافس. وتساءل الكثيرون كيف لبلد مثل الاردن ذي الرصيد المتواضع جدا في صناعة السينما ان يقدم للعالم عملا سينمائيا بهذا المستوى؟

صحيح ان الفيلم الاردني لم يفز بتلك الجائزة لكن يجب الا ننسى ان افلاما اخرى من دول لها باع طويل في السينما لم يحالفها الحظ أيضا. فكان الحضور الاردني في أكبر قلاع صناعة السينما في عصرنا الحالي بمرتبة الانجاز لأنه الدليل العملي على أن في الاردن قدرات وطاقات غير مكتشفة بعد ، وبأن جوائز الاوسكار والسعفة الذهبية وغيرهما لن تظل بعيدة عن متناول ابنائه وبناته المبدعين.

المحطة الثالثة كانت فوق ثرى الاردن وفي اربد تحديدا حيث تمكنت قوات الامن الاردنية ، بكافة أجهزتها المعنية ، من توجيه ضربة استباقية قاضية لعناصر ارهابية ظلامية كانت تخطط لالحاق الاذى بالناس وتشويش وتيرة الحياة الامنة في هذا البلد.

نتائج تلك المواجهة كانت وما زالت مدار بحث وتقييم من قبل جهات عديدة ودول عظمى وغير عظمى عانت وما تزال تعاني من الارهاب. فقد لفتت انضباطية العسكرية الاردنية وكفاءتها انتباه العالم بأسره واعجابه. وتساءل الناس في كل مكان عن سر العلاقة التي تربط بين الشعب الاردني وقيادته ، وسر حرص كل الاردنيين على حياة أي مواطن أو عنصر من عناصر اجهزة الامن الاردنية ، وعن حجم وعمق المشاركة الشعبية في تكريم الشهيد البطل راشد حسين الزيود الذي قضى وهو في مقدمة رفاقه في مواجهة الارهابيين. وسيظل السؤال « كيف يتحقق الامن لأهلي بدون تضحيات «؟ الذي طرحه الاب الصابر وهو يودع ابنه الشهيد بمثابة السلاح الأمضى في وجه كل من يفكر بايذاء هذا البلد ومواطنيه.

تابع الناس في كل مكان التجارب الاردنية الثلاث التي التقت حولها كل أطياف الوطن وكأنهم يتابعون تشكل أطياف قوس قزح جميل في صفحة أفق ممتد.