الى اخي المهاجر


اخي القادم من خناك من عبر الحدود الينا .....عتقد انه قد تغير شيء ما في إيقاع حياتك يا اخي القادم من هناك.. مستجيرا.. ملهوفا.. مستغيثا.. خائفا وفي أولوياتك، بحيث ضاق صدرك وامتلأ قلبك بالقهر المفاجئ ؟ كأنك لست الذي يعرف بتحمله الشديد وصبره الطويل.‏
كأنك لست الذي يؤثر على نفسه، ويدعي أنه غير متعب وغير محتاج. أما كنت بالامس تجوع ليشبع غيرك؟ وتسهر لينام الجميع.. وتتعب وأنت تبتسم وتقول : أنا مرتاح جداً.. ها أنت وصلت إلى نهايه النفق فهل الحرب في بلدك قد غيرتك وغيرت قناعاتك وأحلامك ورؤياك؟‏ أم غيرك طوفان الدماء وفقدان الأحباب والأصدقاء؟
وقد يكون انتقالك من بيت إلى آخر سبب هذا الضيق في روحك...، فلم تعد الحارة مشبعة بتفاصيلك.. ولم يعد الجيران يعرفون صباحاتك فأصبحت كلاجئ غريب في ديار غريبة حتى وانت بين اهلك ...... كل ما يصلك بها رقم باب ورقم هاتف.. وانشغالات بالخبز والاحتياجات اليومية. هذا جعل منك رقماً لا أكثر في زمن يصعب تصور معجزاته.‏
اليوم أدركت أنك أعطيت أكثر من اللازم.. وأدركت أيضاً أنك ما عدت قادراً على التضحية والصبر، فهل قررت أن تقول للجميع كفى؟‏
هل الجميع هم السبب؟ أم انت الذي لم يحدد أولوياته لدرجة انك تماهيت في العطاء للآخر فصرت انت الآخر وصارت مباهجك مرتهنة بهذا الآخر؟‏
كان يمكن أن تلتفت إلى روحك المتعبة منذ زمن.. وكان عليك أن تقول لماذا لا أكون أنا أولاً ومن بعدي الآخر.؟‏
ها أنت مكتظ بالحريق.. موجوع من نكران الجميع.. بدأت تدرك أنك غير مستقل وغير موجود إلا من خلال عطائك للآخر.. هذا أتعبك في هذه الظروف واقضّ مضجعك.. تريد ان تصرخ بوجه الجميع وتقول : اعطوني وقتاً لي لأنظر في المرآة وارى انعكاسات نفسي.. هل أنا مازلت أنا؟ ام أنا أنتم وكفى؟‏
أريد ان أكون أنا.. وأن أبني جداراً بيني وبينكم.. فهل أدركتم ما فعلتم بي؟‏
لكن أنت لست وحدك الذي يمر في هذه المرارة المستمرة منذ سنوات.. فلماذا ضاقت بك السبل الآن؟ ولماذا لم تعد لديك أي طاقة للتحمل.. أتريد أن تهاجرثانية ؟ هاجر.. ولكن هل تقدر أن تجد وطناً بديلاً بعد هذا العمر؟‏
وهل تقدر أن تجد أصدقاء جدد اً تحكي لهم ما حدث لابنك وهل سيتعاطفون مع دموعك التي يذرفها قلبك ؟



ثق.. أنت لن تكون إلا وحيداً.. هذا قدرك.. ولن تكون إلا وفياً ومعطاء، لقد انزرعت فيك هذه الصفات.والجميع يعرفونك هكذا.. فإذا تغيرت.. سيتغير العالم الذي حولك.. وإذا تغير عالمك ستشعر بالوحدة والغربة.. ولن تكون أنت، هو أنت، لذلك أنصحك ببعض البكاء.. ربما تخفف عن روحك عبء هذا الزمان وثقله وبشاعته.. فالدموع أحياناً تطهرنا وتغسل السواد من أعماقنا.. ولهذا أظن ان القتلة لا يعرفون البكاء كما الخونة واللصوص، بإمكانك أن تخفي دموعك.. لا تبك أمام أحبتك.. هم يعرفونك قوياً باستمرار ويظنونك لا تنحني كما شجر الحور الشامخ.. ولكن لا بأس أن تبكي وحيداً حتى تحافظ على بهائك وضيائك.. مع أن في أعماقك ألف ليل وألف قهر.‏
لا جدوى من محاولتك البحث عن ذاتك الضائعة.. لقد مرّ الوقت.. وصارت المسافات بعيدة بينك وبين الذي تبحث عنه.. فاشرب قهوتك كما اعتدت عليها.. سوداء محروقة دون هيل، على الأقل هي تشبه أعماقك.. أو تشبه هذا الزمن الرديء.‏