مجموعة الإنقاذ الإخوانية تحتاج إلى إنقاذ

"عندما تحضر الأفكار والمبادرات بعد فوات الأوان، فكأنها لم تحضر".
دفعت مجموعة الإخوان الأربعمائة (تقريبا) التي أعلنت استقالتها من حزب جبهة العمل الإسلامي بنفسها إلى المجهول. فهي إن بقيت في "الإخوان" والحزب بأن عدلت عن استقالتها، فإنه لا مكان لها في واقع الحال سوى مواقع ترضية في قيادة الحزب والجماعة والترشيحات النيابية. وليس سوى ذلك يمكن أن يعد به إخوان "جماعة ترخيص توفيق أبو الهدى والمنفكون عن مصر مؤخرا"، أو حزب الجبهة؛ تقسيم المواقع والحصص. لكن الطرفين يدركان أن خلافا فكريا وبرامجيا عميقا يفصل بينهما، ولا مجال لعمل مشترك، فليس ثمة أفق لعمل سوى المطالبة بتجنيس أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، وتسهيل إجراءات الجسور، وتحسين الخدمات والفرص في العمل والقبول في الجامعات، لقواعد اجتماعية ليست هي قواعد الانقاذيين. ولا عيب في ذلك بالطبع، ولكنها قواعد لها قياداتها المنبثقة عنها والتي تمثلها، ولم يعد من شراكة ممكنة سوى الاحتفال بالإسراء والمعراج والفتح الصلاحي والعهدة العمرية والتضامن الإعلامي مع الأسرى... والحفل الطقسي السنوي في سويمة لأجل العودة!
وإذا أصرت المجموعة على الاستقالة والعمل بعيدا عن حزب جبهة العمل الإسلامي؛ سواء بقيت بعد ذلك في الإخوان أو لم تبق (هو بقاء لن يكون له معنى ولا قيمة!)، فإنها ستكرر حرفيا تجربة الرفاق الذين لم يعودوا رفاقا؛ ستكون في واقع الحال "زمزم 2" أو "الجبهة 2" أو "الإخوان 3"، وهي بذلك لن تضيف شيئا إلى الحياة السياسية والعامة. وقد تنشغل التيارات الإسلامية في خلافاتها وخصوماتها أكثر من أي شيء آخر، وقد لا تتحمس لعمل سوى أن تُفشل بعضها بعضا... سوف يفوّت الإنقاذيون قارب "الجبهة" وقارب "زمزم"، والمرجح أنهم سيغرقون!
لقد حدثت تغيرات عميقة وظهرت حقائق جديدة تحكم الواقع والعمل السياسي والاجتماعي، ولم يعد أمام الأردنيين سوى خيارين: أن يتجمعوا وفق روابط قرابية وجهوية بلا محتوى، أو وفق برامج وطنية اجتماعية واقتصادية. وإذ يبدو الإخوان المسلمون "ترخيص توفيق أبو الهدى"، كما معظم النخب والتجمعات التي ستنخرط في الانتخابات المقبلة، وقد انزلقوا نحو الخيار الأول؛ فإن العمل الإصلاحي المتبقي سيكون خيارا صعبا يجمع بين الرؤى الوطنية الشاملة والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والعزوف الاجتماعي والجماهيري.
سيوفر الإصلاحيون وقتا وجهدا كبيرين إذا انشغلوا باستعادة قيم الحرية والتنمية الفعلية، والمجتمعات والمدن المستقلة التي تنشئ مواردها وأعمالها وولايتها على مصالحها وأولوياتها. وقد تكون فرصها في الانتخابات المقبلة محدودة، لكن المرجح أنها ستكون أساس العمل والانتخاب في المستقبل. وقد يضحي الإصلاحيون بمكاسب انتخابية وجماهيرية، لكنهم يؤسسون لمرحلة جديدة يجب أن تأتي. وسوف تكون أكبر كارثة يوقع الإخوان (بكل تياراتهم) أنفسهم فيها، أن يواصلوا الاعتماد على الخطاب الديني السياسي في التجمع واكتساب المؤيدين.