«شيل» قمامتك لو سمحت!

السائح السعودي من أكثر السياح في العالم إهمالاً، وهو عديم الإحساس بالنظافة والمسؤولية، إلا من رحم ربي. يريد أن يسافر فجأة، ويخرج فجأة، وإذا خرج مع عائلته أو أصحابه يريد أن يجلس في أي مكان، يفرش فرشته ويخرج حافظة الشاي والمكسرات، وإذا كان من هواة الطبخ في الهواء الطلق أخرج معداته وبدأ في الشواء أو الطهي، وإذا كانوا مجموعة من الشباب، ملؤوا المكان صياحاً وضجيجاً، وهواة الشيشة أشعلوا معسلاتهم في الحدائق والمتنزهات مع رفع صوت المسجلات.

 

 

السائح السعودي والعوائل السعودية عموماً - إلا من رحم ربي - لديهم إحساس بأن المكان الذي يوجد فيه هو ملكه، ويتضايق إذا شاركه أحد في الموقع نفسه وجلس بجانبه، والأمهات يطلقن العنان لأبنائهن للعبث بالمحتويات الموجودة من دون أن ينصحنهم بضرورة العناية بالأشياء، وعدم إتلافها أو تشويهها.

 

 

راقب أية أسرة تذهب إلى متنزه، أو تجلس على رصيف، أو حتى تضع مخيماً في أرض خلاء، وربما تجده أوقف سيارته في أحد الطرق السريعة، من دون أية مراعاة للجوانب الأمنية، ويعرض أسرته للخطر، ومن أكثر أنواع التنزه التي تربك أجهزة الدفاع المدني ورجال الأمن، تلك التي تحدث وقت هطول الأمطار، يريد أن يجلس على تلة أو هضبة، ويريد أن يجلس بجوار مجرى السيل ليستمتع بالسيول، أو يسير في الصحراء.

 

 

تستغرب كيف أن السائح السعودي غير منضبط سلوكياً في تعاملاته مع الأماكن التي يتعامل معها، يريد أن يأكل، ويجلس، ويترك أبناءه يمارسون ألعابهم، ويلعبون بكل الأشياء، يريد أن يصعد على مجسم جمالي، ويريد أن يمارس هوايته في الكتابة على الجدران، وتسجيل ذكرياته، ويترك أرقام هواتفه، أو أمثالاً وحتى أبياتاً من قصائد يحبها، وإذا كان مشجعاً رياضياً يريد أن يشتم النادي الخصم ويسب لاعبيه، ومتى غادر المكان الذي يوجد فيه ترك مهملاته من قشور الفصفص والمكسرات وأوراق المناديل وبقايا الأطعمة، وربما ترك أدوات الشواء ورمادها وبقايا الفحم والمعسل والشيشة على الأرض في المكان نفسه، وعلب المشروبات الغازية وقوارير المياه، وكل أنواع القاذورات، في شكل مخزٍ ومؤسف، فضلاً على حالات التشوه التي تركها بعبثه في المكان الذي كان يوجد فيه، وإذا كان كريماً دفع خمسة ريالات لعامل النظافة ليتولى جمع كل النفايات التي تركها بشكل غير حضاري.

 

 

الأمر لا يقتصر فقط بالمتنزهات والحدائق، بل ثقافة السياحة لدى السعوديين تعني الفوضى والتحرر من كل السلوكيات من دون قيود، في المطار يريد أن يشعل سيجارته ويدخن أمام لوحة مكتوب عليها ممنوع التدخين، وإذا كان من هواة الأكلات الخفيفة؛ اللوز والمكسرات، فإنه سيرميها على الأرض، إما أن يترك القشور في المكان الذي يجلس فيه، وإما يظل يرميها على الأرض طالما هو يسير، وتصور المنظر كيف يبدو، إذا ركب الطائرة يريد أن يجمع كل عائلته في مقاعد متجاورة، وقد يتشاجر مع ملاحي الطائرة كي ينقل الراكب الذي يجلس في المقعد المجاور لينقله إلى موقع آخر بأسلوب مخيف، وكأن من حقه أن يجلس بجوار عائلته، ومتى ما أخذت الطائرة مسارها الطبيعي أطلق أبناءه ليركضوا بفوضوية من صياح وإزعاج للركاب. وإذا كانوا مجموعة من الشبان الفوضويين أشبعوا المضيف بالسخرية والطلبات المكررة التي ليس لها داعٍ.

 

 

داخلياً 30 في المئة من السعوديين يستخدمون الطائرة للتنقل للسياحة، فيما 60 في المئة منهم يفضلون استخدام السيارة لتنقلاتهم بين المدن، أما الذين يستخدمون الحافلات فهم 10 في المئة فقط، لهذا تجد محطات الوقود بين المدن هي أكثر الأماكن التي ترتادها الأسر والأفراد، وأكثر الأماكن التي تتعرض لسوء استخدام، سواء للغرف أم للمطاعم ودورات المياه، مستحيل أن تجد دورة مياه سليمة ونظيفة، ولا حتى المطاعم أو الغرف التي يتم تأجيرها بالساعات. والآن مع أجواء الربيع انتشرت ظاهرة لدى السياح السعوديين، وهي التخييم وحجز مساحات كبيرة، وتحويلها إلى منزل كامل الخدمات تتوافر فيه كل وسائل الترفيه، وانظر بنفسك كيف يتعامل هؤلاء، وكيف يعيشون، من ذبح للمواشي في الهواء الطلق، والطبخ، ونسبة التلوث البيئي، وإزعاج الشباب بسياراتهم في الرمل، وغيرها من السلوك غير المنضبط، حتى إن بعضهم استغل هذا الإقبال، فاندفع إلى إقامة مخيمات عدة لتأجيرها على العوائل والشباب بأسعار باهظة، وتحولت إلى تجارة عشوائية.

 

 

هذه السلوكيات الخاطئة وغير الحضارية انعكست على سياحة السعوديين في الخارج، وتركت صورة سلبية، لعل من أهمها ما حدث قبل عام؛ حينما سرق خليجيون بطة من إحدى البحيرات وقاموا بذبحها وطبخها، وتصويرها وعرضها في مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً على حالات أخرى كثيرة شوهت صورة السائح السعودي، من مثل ترك بقايا الأطعمة، فيما نزلت مجموعة أخرى داخل أحد أحواض النوافير للاستحمام، أمام أنظار سكان البلد الأصليين، ورفع أصوات المسجلات، وممارسة التفحيط في الأماكن العامة، ما أزعج الجهات الحكومية المحلية في تلك الدول.

 

 

انتشار هذا السلوك غير المقبول من السائح السعودي تتحمل جزءاً منه المؤسسات الحكومية والرقابية، التي تركت الحبل على غارب السائح، فتراه يعبث وغير منضبط، لأنها لم تعاقبه على سلوكياته. في معظم الدول المنتزهات والحدائق العامة تعلق لوحة كبيرة، فيها كل الضوابط والشروط والممنوعات، وتعلق بجانبها المخالفات وقيمتها، وفي حال ارتكاب أية مخالفة يتم تسجيل مخالفة عليه، للأسف الشديد أماكن التنزه والأماكن العامة التي يرتادها الزوار والسياح مسموح فيها أن تعمل ما تشاء، من دون أن يمنعك أحد، لا رجال المرور ولا دوريات الأمن، ولا حتى رجال البلدية، هذا الإهمال في ضبط سلوكيات السياح حمّل موازنة الدولة أكثر من 20 بليون ريال لعقود النظافة فقط في المدن السعودية، وخلق بيئة ملوثة وغير آمنة وغير صحية، وأماكن لممارسة الإزعاج ومضايقة الآخرين، وهذا الأمر تتحمله أمانات المدن والمحافظات. سياحتنا الداخلية في حاجة إلى ضوابط لسلوكيات السياح وأن تفرض عليهم أهمية نظافة المكان الذي يجلسون فيه، وثقافة أن «المكان ملك للجميع».. وليس لك وحدك أنت وأسرتك.