الأمن القومي الأردني والمظلة الأمريكية

مثلت زيارة الملك عبد الله الثاني لواشنطن علامة فارقة في العلاقات الامريكية الاردنية؛ اذ جاءت بعد اقرار الكونغرس الامريكي لاتفاقية المساعدات العسكرية للاردن التي صادق عليها الرئيس الامريكي اوباما، وبلغت قيمتها مليار دولار ستتلقاها المملكة سنويا؛ ففي لقاء الملك مع اوباما عبر عن ارتياحة الشديد للتطمينات التي قدمها اوباما للمملكة. الزيارة بدورها ترافقت مع مصادقة البرلمان على قانون الانتخاب الاردني مرسلة رسائل واضحة حول تقدم الاردن في العملية الاصلاحية بشكل يعيد التركيز على المخاطر والتهديدات الخارجية باعتبارها المعضلة الاساسية.

لم يمض وقت طويل على هذه الزيارة حتى وقعت حادثة اربد قارعة ناقوس الخطر حول تطور الشبكات المسلحة الارهابية وهي بغض النظر عن الفكر الذي تتبناه فإنها تعكس السيولة الامنية التي بلغتها المنطقة؛ فالامر لا يتعلق بالفكر والتوجهات الايدلوجية فقط بل مصالح الدول الاقليمية والقوى المتصارعة في الاقليم؛ ما يوفر الظروف المناسبة لتشكل هذه الشبكات وحصولها على دعم لوجستي من الاطراف المتصارعة في الاقليم.

فالاردن تلقى في الاشهر الاخيرة العديد من التهديدات والتلميحات السلبية من اطراف عديدة في الصراع السوري، كما ان المعارك على الحدود الشمالية وعمليات القصف العشوائي التي طالت التجمعات السكانية الاردنية الحدودية اعطت مؤشرا على التهديدات والاتجاه الذي تسير فيه الامور على الحدود الشمالية للمملكة بل في الاقليم الذي بات فيه التركيز ينصب على شواطئ الصراع السوري في محاولة لتوسيع الصراع، والضغط على القوى الدولية بشكل اكثر فاعلية من قبل القوى الاقليمية.

الاردن لم يتوقف عن التواصل مع روسيا لتهدئة جبهته الشمالية وترسيخ الهدنة في منطقة درعا؛ الا ان الخروق لم تتوقف في الجبهة الجنوبية لسوريا، ليعود الاردن لتأكيد صلابته في مواجهة التحولات في الجبهة الشمالية بإظهار الاستعداد الدائم لمواجهة التهديدات الامنية والقدرة على التواصل مع اطراف الصراع، وفي ذات الوقت التنسيق مع حلفائه الدوليين.

الامر لم يعد مقتصرا على الجهوزية الاردنية، بل ترافق مع اعلان البنتاغون توجيه ضربات صاروخية لمواقع تنظيم الدولة داعش داخل الاراضي السورية باستخدام راجمات صواريخ امريكية متطورة عاملة شمال الاردن، حاملا بذلك رسائل قوية للنظام السوري ولأطراف الصراع في الساحة حول الخطوط الحمراء المرسومة للمتصارعين في الاقتراب من الساحة الاردنية.

القصف الامريكي جاء بعد يوم واحد من زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن للاردن الذي حضر تدريبات عسكرية اردنية، مؤكدا بذلك اهمية امن المملكة للولايات المتحدة.

الزيارة بدورها تزامت مع مصادقة الملك عبد الله الثاني على قانون الانتخاب، معيدا تأكيد التناغم الكبير في السياسة الاردنية الخارجية والداخلية والثقة الكبيرة بالقدرة على مواجهة المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة والاقليم.

المتتبع للسياسات الدولية والغربية في التعامل مع المملكة تشير الى دعم كبير والتزام بأمن المملكة واستقرارها؛ كان ابرزها مؤتمر لندن لمساعدة اللاجئين السوريين، حيث تم الاعلان عن حصول الاردن على ما يقارب 8.5 مليارات دولار لمواجهة التحديات المتعلقة باللاجئين السوريين، فالاردن تفاعل مع التغيرات الامنية والاقتصادية والديمغرافية بفاعلية اكبر بكثير من جاراته سواء في لبنان أم تركيا، إلا ان الاضافة التي اخذت تبرز الى السطح تتمثل بالتهديدات الامنية التي تسعى المملكة إلى مواجهتها من خلال تطويرها تكتيكات جديدة للردع مستعينة بالمظلة الامريكية للرد على التهديدات المتواصلة على حدودها الشمالية من خلال اتباع التكتيكات التركية بالقصف والتدخل المحدود داخل الاراضي السورية، فضلا عن استعداد كبير لمواجهة التهديدات الامنية الداخلية لمواجهة شبكات الارهاب والتخريب داخل اراضي المملكة وترتيب الساحة الاردنية وفق رؤية اصلاحية تم رسم معالمها خلال السنوات الاربع الماضية.

المملكة تعتمد الى حد كبير في تحقيق الامن الداخلي والخارجي على دعم سياسي وعسكري من حلفائها وعلى رؤية اصلاحية تقليدية، وفي مواجهة التحديات الاقتصادية فإنها ما زالت تفتقد الى برامج اقتصادية فاعلة يمكن التعويل عليها، فتحصين الجبهة الداخلية على اهميته ما زال يعتمد على الاساليب التقليدية دون احداث تحولات مهمة معتمدا على برامج اصلاحية، ليس من المعلوم ان كانت ستنتنج قدرا كبيرا من الشفافية والحوار الذي ينتج برامج اقتصاية وسياسية فاعلة يتفاعل معها المجتمع الاردني بفاعلية.

الامن القومي الاردني عملية شاملة فرغم اهمية المظلة الامنية الامريكية والمظلة الاقتصادية الغربية، الا ان القدرة على معالجة المدخلات تعتمد على مرونة الساحة الداخلية وقدرتها على توفير الدعم للسياسات المرسومة دون ان تتأثر بالتحولات الكبرى المتوقعة في الاقليم وبنية الاقتصاد الدولي المتضعضعة، فالأزمة باتت مزمنة وتحتاج الى تعامل شبه يومي لا يتوقف عند حدود الامن بل يمتد الى كافة القطاعات سواء الاقتصادية أم الاجتماعية، مسألة باتت تطرح تساؤلاً مهماً يردده عدد من الخبراء والساسة والكتاب في مقالاتهم وبحوثهم، هل بالإمكان تطوير وتحسين استراتيجية حماية الامن القومي الاردني في ظل البيئة الاقليمية والدولية والمحلية سريعة التغير والتقلب، ام ان الجهود المبذولة الى الان تعد كافية لمواجهة التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية؟