هل من ضمانات؟

الظاهر أن مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي ليست يسيرة هذه المرة؛ فالأخذ والرد حاصل بين الطرفين، بحيث لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن برنامج إصلاح اقتصادي جديد، رغم المشاورات الطويلة، ومضيّ أشهر عديدة على انتهاء البرنامج الماضي.

بعثة "الصندوق" ستصل المملكة في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، في زيارة لقرابة أسبوع، إنما مع عدم وجود بوادر إبرام اتفاق خلال هذه الزيارة؛ إذ ستكون لتسوية بعض القضايا الخلافية. مع ذلك، تظل قائمة، منطقياً، التوقعات بالتوصل لاتفاق بشأن ما يمكن فعله في السنوات الثلاث المقبلة، وبالتالي ردم الفجوة القائمة للآن بين الطرفين بشأن تقييم الاقتصاد الأردني؛ إذ ترى الحكومة أن بإمكانها تحقيق معدل نمو يبلغ 3.7 % خلال العام الحالي، في مقابل تقديرات "الصندوق" لهذه النسبة بنحو 3.2 %.

البرنامج الجديد يدور حول ثلاثة محاور أساسية، تتعلق خصوصاً بتنظيم سوق العمل ومعالجة التشوهات الكبيرة التي تعتريها؛ إضافة إلى اتخاذ إجراءات تكفل تخفيض عجز الموازنة العامة، عبر زيادة الإيرادات.

وبشأن المحور الأخير تحديداً، يبدو التعليق الحكومي غامضا! ففيما يتم التأكيد بأنه لن تكون هناك زيادة في الضرائب، تكشف الحكومة، مع الدخول في التفاصيل، عن التوجه لفرض رسوم إضافية على خدمة هنا وسلعة كمالية هناك.

أيضا، لا تنفي الحكومة نيتها الموافقة على المضي في معالجة مديونية شركة الكهرباء الوطنية، وفقاً لـ"توصيات" البنك الدولي؛ أي بزيادات متتالية على تعرفة هذه الخدمة. كما لا تخفي تطلعها إلى تقليص دعم المياه.

بالنتيجة، فإن الجزء الأكبر من الاتفاق الجديد مع "الصندوق" يرتبط بالسياسة المالية التي تديرها، طبعاً، وزارة المالية. ولتتبدى هنا ما تنطوي عليه المعالجات "المقترحة" من قرارات صعبة. إذ هي في جوهرها زيادة للكلف على المواطن، وتعمق بالتالي التباطؤ الاقتصادي، بما يحد من فرص تحقيق معدلات النمو التي تنشدها الحكومة.

الشق الآخر في المالية العامة يرتبط بالإنفاق الذي ترجّح مصادر حكومية تخفيضه أيضا من خلال مراجعة تفاصيل الإنفاق الجاري، إذ يحمل بين ثناياه نسبة من الهدر. فيما تبدو فرص الضبط الحقيقي مغيبة، نتيجة غياب الموازنة الموجهة بالنتائج، وضعف الإرادة لمعالجة تشوهات من قبيل التهرب الضريبي.

القنبلة الموقوتة التي يعجز حتى صندوق النقد الدولي عن التخفيف من تسارع مؤقِّتها تتعلق بالمديونية العامة، والتي نمت لمستويات خطيرة، بحيث تتجاوز اليوم نسبة 90 % من الناتج المحلي الإجمالي. وهي، من ثم، ستبقى تهديدا جليا لكل المنجزات الرقمية التي تتغنى بها الحكومات، ولا أحد يعلم متى قد يخرج الأمر عن السيطرة، لاسيما أن هذه المديونية تقترب من 23 مليار دينار مع نهاية العام الحالي.

الجزء الثاني من برنامج الإصلاح الآخذ بالتبلور، يتصل بالسياسة النقدية التي يتولاها البنك المركزي. وهذا الجانب يبدو أكثر أمانا، وأبعد بالنتيجة عن يد "الصندوق"؛ بسبب بعض المعطيات الرقمية، وعلى رأسها حجم احتياطي العملات الأجنبية، إذ يتجاوز 16 مليار دولار، يضاف إليه احتياطي من الذهب قيمته مليار دينار.

المؤشر الثاني هنا، والذي يعطي شعورا بالراحة ولو مؤقتا، يرتبط بنسبة المديونية الخارجية إلى إجمالي قيمة الدين العام. فرغم أن الدين، خارجياً كان أم داخلياً، يبقى ديناً، إلا أن الانخفاض النسبي لحجم الدين الخارجي المقدر حاليا بحوالي 8 مليارات دولار، وبنسبة تقارب 29 % من الناتج المحلي الإجمالي، يبقى عامل اطمئنان لناحية استقرار السياسة النقدية خلال فترة تطبيق البرنامج الجديد.

مع ذلك، فإن الرابط والتأثير المتبادل كبيران بين السياسة المالية المتدهورة والسياسة النقدية المستقرة، ما يعني ضرورة التنسيق بينهما بهدف تقليل الضرر العام.

الأمر المقلق، أننا سندخل برنامجا جديدا مع "الصندوق" من دون ضمان تحقق النتائج الإيجابية المرجوة. فالبرنامج السابق الذي طُبِّق لسنوات، واستدعى فرض كثير من القرارات القاسية؛ لاسيما رفع أسعار المحروقات مع بداية عهد حكومة د. عبدالله النسور؛ ذاك البرنامج لم يقلل من مشكلاتنا المالية، وتحديدا المديونية، بل على العكس؛ فهذه الأخيرة ما تزال باقية وتتمدد!