برلمانيون وحزبيون يؤكدون على تلازم قضايا الاصلاح السياسي والاقتصادي


 

طالب النائب عبد الرحيم البقاعي بضرورة استقلالية المجالس الرقابية في الأردن في اطار مكافحتها للفساد الإداري الذي بدأ يتغول على المؤسسات العامة والخاصة والمستقلة، مؤكداً ان الحراك السياسي الراهن والمطالبات الشعبية بالاصلاح السياسي مرده الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة على كاهل المواطن الأردني.

 

جاء ذلك في الجلسة النقاشية التي عقدها مركز بصر لدراسات المجتمع المدني بمقره، وكانت بعنوان "الانعكاسات الاقتصادية للأحداث السياسية الراهنة في الأردن"، وذلك في إطار سلسلة "حوارات الأربعاء" التي أطلقها المركز، وأدارت الجلسة الدكتورة مي الطاهر، مديرة المركز.

 

وأكد المهندس البقاعي في الجلسة التي حضرها نخبة من رؤساء منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية وأعضاء من مجلس الأعيان والأحزاب السياسية، أن الاصلاح السياسي بات متلازما مع الاصلاح الاقتصادي ولا مجال لاستبدال واحد بالآخر، مشيراً الى ضرورة تفعيل دور المؤسسات الرقابية واستقلالها وفك ارتباطها بالأحهزة الحكومية، وإصلاح عملها الداخلي وانتظامها في رفع التقارير، وقيامها بالمساءلة الجادة للمؤسسات عن حالات الفساد الإداري والتجاوزات المتزايدة في قنوات عملها.

 

وانتقد عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب الاختلالات الموجودة في سلم الرواتب والتفاوتات الحادة ما بين رواتب كبار الإدارة العليا في المؤسسات والبنوك ورواتب بقية الموظفين، ووجود فجوات كبية ما بين موظفي الدرجات العليا والأولى والخاصة، مؤكداً ان الفجوات في الرواتب وغياب العدالة هي السبب الأساس وراء المطالبات بالإصلاح. وبيّن البقاعي ان المؤسسات المستقلة البالغ عددها 62 مؤسسة وتشغل حوالي 31 ألف موظف، تشكل رواتبها ما مجموعه 471 مليون دينار، وهذا يعادل حوالي ضعف رواتب موظفي الأمن العام البالغ عددهم 61 ألف موظف اي ضعف موظفي المؤسسات المستقلة، في حين ان مجموع رواتبهم يبلغ 268 مليون دينار.

 

وهنا شدد النائب البقاعي على ضرورة اعادة تعريف الأجر ووجوب ارتباطه بالانتاجية. وانتقد بشدة العلاوات والحوافز والامتيازات غير المرتبطة بالانتاج، والمطالبات بالأشهر الإضافية للراتب مثل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، مؤكداً على ضرورة ان تتركز المطالبات في رفع الراتب الأساسي للعامل، والمطالبة بإصلاح سلم الرواتب وربط الأجر بالهيكل التنظيمي للمؤسسة. الى جانب ذلك، شدد البقاعي على ضرورة تعديل التشريعات الخاصة بالشركات المساهمة العامة، وتفعيل الرقابة على عملها.

 

وانتقد البقاعي تمرير بعض السياسات مثل تحرير الأسواق التي أدت في الواقع الى انفلات الأسواق وإنهاء قطاعات حيوية، مثل قطاع المحيكات الذي كان يصدر الى الدول العربية ويشغل أيدي عاملة أردنية، وقطاع المواشي الذي دمر، منوها الى الخطورة في انتهاج سياسات عمل داعمة للعولمة.

 

من جهته أوضح فهمي الكتوت ممثل التجمع الديمقراطي الأردني ان موازنات المؤسسات المستقلة باتت تشكل عبئا ثقيلا على موازنة الدولة ومستوى رواتب موظفيها البالغ 800 دينار شهريا يفوق معدل رواتب منسبي القطاع العام. وأكد الكتوت ان تراجع النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم المتراكمة في السنوات الخمس الأخيرة قد أثر سلباً على الطبقة العاملة ومن هنا فمن المطلوب إنصاف هذه الطبقة بزيادة أجورها، مؤكدا ان معظم منافذ الفساد من الممكن اغلاقها عبر تطبيق اصلاح سياسي حقيقي، الى جانب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية، فمن المهم كان المحافظة على القدرة التنافسية في الأردن وتقوية بعض القطاعات المنتجة والصناعات المحلية، لكن السياسة الاقتصادية غير المدروسة سرعت الانضمام الى منظمة التجارة العالمية، مما أثر على قطاعات واسعة من العاملين، مشدداً على وجوب اعادة النظر في قانون ضريبة الدخل.

 

وتساءل المهندس طارق التل، رئيس اللجنة الاقتصادية في جبهة العمل الإسلامي، عن وجود الإرادة الحقيقية للإصلاح، سواء بشقه الاقتصادي ام السياسي؟ فصحيح ان كتب التكليف تؤكد على الاصلاح ومكافحة الفساد، وصحيح انه تم تشكيل لجنة للحوار والوطني وأخرى لإصلاح الدستور، لكن الخشية هو ان يُلقى بأعمال هذه اللجان الاصلاحية على الرف ولا يتم الأخذ بها، كما حصل مسبقاً مع الأجندة الوطنية والميثاق الوطني. وكشف التل عن عدم شفافية النظام الضريبي المعمول به في الأردن، فهناك ازدواجية في الضرائب التي يدفعها المواطن، والعديد من الضرائب غير مسنة بقانون ويتحمل الفقير كاهلها، مما ادى الى تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع. وانتقد التل تطبيق الضريبة التصاعدية باعتبارها مخالفة للدستور، والتفضيل الممنوح للمؤسسات الكبيرة ذات الأرباح العالية والبنوك بتخفيض الضرائب عليها، وشدد على ضرورة تطبيق قانون عادل لضريبة الدخل. وحول أجهزة الرقابة، طالب التل بضرورة استقلالية مؤسسة مكافحة الفساد عن السلطة التنفيذية ووجوب تفعيل دورها في محاربة فئة الفاسدين الذين يشكلون الحلقة الأولى في اعاقة مسيرة الاصلاح.

 

وحول العمل النقابي في الأردن أكد خالد الزيود رئيس النقابة العامة للعاملين في البترول والكيماويات ان المفهوم الحقيقي للعمل النقابي قد أسقط من قبل الحكومات ولم يتم تمثيله في المجالس النيابية السابقة، والواقع العمالي الحالي يخدم أصحاب العمل على حساب العمال المهمشين حيث لا توجد مفاوضات عمالية ولا علاقات انتاج ناجحة. وأكد الزيود ان عدم ربط الأجور بالأسعار، اضافة الى غياب الخطط والاستراتيجيات في سوق العمل وعدم مواءمة التعليم مع مدخلات سوق العمل، كلها أدت الى اتساع البطالة وانتشار جيوب الفقر، الى جانب الفروقات الشاسعة في الرواتب داخل المؤسسة نفسها، وغياب العدالة الاجتماعية وعدم استقرار العامل، كلها شكلت أسبابا جوهرية وراء الاعتصامات العمالية والاحتجاجات الشعبية الأخيرة.

 

من جانبها أشارت ناديا هاشم/ العالول، رئيسة الجمعية الوطنية للحرية والنهج الديمقراطي الى تلازم الاصلاح السياسي بالاصلاح الاقتصادي، منوهة الى انتشار ظاهرة الفساد على الصعيد الإداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومن هنا بحسب العالول، فمن الضروري التعامل مع الاحتجاجات الشعبية بجدية كبيرة ومن الضروري السعي الى ايجاد حلول منطقية وعملية. وشددت العالول على اهمية الشفافية والحوار في كل قنوات العمل بدءا من وضع الموازنة العامة للدولة الى مناقشة قانوني الانتخابات والأحزاب الى جميع حلقات الحياة الديمقراطية وجهود الاصلاح السياسي والاقتصادي المبذولة.

 

اما أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، فنوه الى تسارع جهود الاصلاح في الفترة القليلة الماضية، فقد تم الكشف عن عشرات الحالات من الفساد، فالرقابة اصبحت عالية على أداء المؤسسات العامة والخاصة والوزراء. وأشار عوض الى ان المشكلة الراهنة في الأردن هي مشكلة سياسية في الأساس، نشأت عن تراكم تنفيذ سياسات خاطئة. وانتقد حالة الفساد الموجودة في شركات القطاع الخاص، حيث نجد رواتب خيالية لأعضاء الإدارة العليا في بعض الشركات، في حين ان ذات الشركات تحقق خسائر مالية، وهناك عدم افصاح مع اصحاب الأسهم، وتشكل كل هذه الحالة تغييبا وخرقا لمبادئ حاكمية الشركات. وربط عوض ذلك بغياب النظام السياسي الديمقراطي الشفاف، حيث انه لو كان موجودا، لما حصلت هذه التجاوزات. كما ان غياب هذه الشفافية قد سمح بوجود العديد من المؤسسات المستقلة التي تم تكوين بعضها لخدمة وتنفيع اشخاص معينين.

 

وأشار محمود الحياري رئيس النقابة العامة للعاملين في البناء الى ان الحراك الشعبي الراهن في الأردن بات يطالب برفع سقف الحريات متأثرا في ذلك بالأحداث والتطورات الحاصلة في العالم العربي، مؤكدا على ترابط الحراك السياسي بالحراك الاقتصادي. ونوّه الحياري الى غياب العدالة الاجتماعية ليس على مستوى المواطنين فحسب، وإنما أيضا على مستوى المناطق والأقاليم، فتوزيع المكاسب غير عادل حتى بين العاصمة والمحافظات. وانتقد الحياري التوجه نحو ايقاف المشاريع الرأسمالية الكبيرة المشغلة للعمالة والمدرة للدخل، مشددا على اهمية رفع الأجور للعاملين نظرا للاوضاع الاقتصادية المتفاقمة.

 

من جانبه تحدث محمد السنيد رئيس لجنة عمال المياومة عن تعثر السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها بشكل متسرع، والتي جاءت استجابة لتغيير النهج السياسي وجاءت تحت مسمى تحرير الأسواق، فقامت بتدمير قطاعات اقتصادية حيوية ومنتجة في الأـردن، فدمر قطاع الزراعة كما دمر قطاع المواشي وقطاع الخزف والبلاستيك، وأودت بذلك بمئات الآلاف من الأسر التي كانت تعتمد على هذه القطاعات. وحول الأحداث الراهنة في الأردن أشار السنيد انها بدأت بدافع اقتصادي اجتماعي وضد ارتفاع الأسعار، ثم تطورت الى مطالب سياسية بضرورة الاصلاح السياسي ومكافحة الفساد، عازيا السبب في ذلك الى الرخاوة في تطبيق القوانين. وطالب السنيد بتدخل الأحزاب السياسية في الحالة العمالية الراهنة حيث بات اصحاب العمل يطغون على العامل وحقوقه، وحيث انتشر الفساد داخل العمل النقابي نفسه.

 

يذكر ان مركز بصر لدراسات المجتمع المدني تأسس في نهاية عام 2010، وأطلق في مطلع العام 2011 (حوار الأربعاء) الذي يستضيف خبيراً في الأربعاء الأخير من كل شهر للتحدث حول موضوع حيوي في الأردن. وتتركز نشاطات المركز في إجراء الدراسات والأبحاث وعقد الندوات حول قضايا المجتمع المدني والحاكمية.