الجوكر

سيبدأ مجلس النواب مناقشة مشروع "قانون المخدرات والمؤثرات العقلية"، والذي جاء في أسبابه الموجبة من الحكومة مكافحة آفة المخدرات ومواجهتها بتشريعات عصرية أكثر شمولية. وقد يكون القانون الجديد أكثر شمولية وأكثر تشددا، لكنني أشك أنه أكثر عصرية، وذلك من عدّة نواح، من بينها على الأقل التمييز بين أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية ومواد إدمان لا حصر لها. والمشكلة دائما أن الوقت يتأخر على ذلك.
خذ على سبيل المثال ما يشتهر الآن باسم "الجوكر"؛ فهو ليس من المخدرات المعروفة، بل يُجمع من مستحضرات مختلفة، يقال إن بينها سم الفئران، لكن تأثيره خطير. فهو إضافة إلى أثره الصحي بالغ السوء، يؤدي إلى فقدان التوازن العقلي، ويولد نزعة إجرامية؛ إذ يمكن لمتعاطيه أن يتحول لارتكاب أي جريمة. وقرأنا مؤخرا أن كميات ضخمة قد تم ضبطها مؤخرا من هذه المادة.
إن الكثير من المركبات الكيماوية والعضوية، وخصوصا المتطايرة والمستخدمة لأغراض شتّى، يمكن أن تتحول إلى مواد تستخدم للإدمان. وعليه، يجب افتراض قضية الإدمان بذاتها كمسألة مستقلة عن موضوع الاتجار بالمخدرات.
وبالمناسة -وأتحدث من خلفيتي الصيدلانية- فإن كثيرا من الأدوية العادية وليس المخدرة فقط يمكن أن تتحول إلى مصدر إدمان، بما في ذلك المضادات الحيوية، وليس فقط الحبوب المنومة أو المخدرة أو المواد المسكنة للألم المشتقة من مواد مخدرة.
القانون الجديد في معظم مواده لا يفرق بين هذه المواد ونوعية تأثيرها، وإن كان يضعها تحت عنوانين رئيسين عائدين للتقسيم الطبي، هما: المخدرات، والمؤثرات العقلية. وهو يضعها تحت أحكام واحدة، بل يضع في أحكام واحدة كلا من (وخذ هذه الجملة من الأفعال) حاز أو أحرز أو أدخل أو أخرج أو سلم أو تسلم أو نقل أو خزن أو أنتج أو صنع أو باع أو اشترى أو تداول أو تبادل... والحقيقة أن هناك جانبين رئيسين في موضوع المخدرات: جانب التجار والمروجين، وجانب المستهلكين. وفي الجانبين، هناك مستويات وأنواع. ويقف في أدنى السلم المستهلك العرضي أو مستهلك الصدفة أو المناسبة الواحدة.
وسأروي بالمناسبة حادثة وقعت قبل أسبوعين لا تكاد تصدق، من غرائب ما يؤدي إليه التطبيق الحرفي للقانون. فقد تم زج طبيب اختصاصي في السجن لمدة 9 أيام، ولم يخرج إلا بعد واسطات مكثفة لتكفيله، بسبب أنه كان يحمل حبة مسكن من النوع الذي لا يصرف إلا بوصفه طبية. وهو بالطبع يستطيع أن يصرف لنفسه ما شاء من الوصفات، لكنه لم يتوقع أن يجد نفسه في مثل هذا الموقف؛ إذ يحتاط بالعادة بوضع حبة أو اثنتين في جيبه لأخذها خلال مناوبته في حال تألم من "الديسك" الذي يعاني منه في رقبته.
في الواقع، إن حبّة الدواء في جيب طبيب مثل قطعة حشيش؛ إذ تقع تحت تصنيف المخدرات والمؤثرات العقلية. والحقيقة ان تمايزا قويا يوجد بين أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية أو العصبية، والنيكوتين في السجائر هو واحد منها، بل من المعروف في الوسط الطبي أن للنيكوتين تأثيرا إدمانيا أقوى من الحشيش أو الماريجوانا. ولا يمكن مقارنة تأثير الأخيرة وهو مخدر خفيف بالهيروين الذي يؤدي افتقاده إلى درجة ارتكاب جريمة للحصول عليه، أو ما سمي بالجوكر الذي يدفع استخدامه نفسه إلى ارتكاب جريمة.
المشكلة أن القوانين بعد أن تأتي من الحكومة، يصعب إعادة كتابتها وهيكلتها. وجلّ ما يمكن فعله، هو إدخال تعديلات محدودة. ولا أعرف إن كانت هكذا تعديلات -إن أمكن إدخالها- ستؤدي الغرض.