اعتصام طلبة الجامعة الأردنية حقٌ

الاعتصام السلمي لطلبة الجامعة الأردنية احتجاجاً على رفع رسوم الجامعة للموازي والدراسات العليا يبعث على الفخر ولا يسيء لسمعة الجامعة ولا يعيبها، فإن لم يفعل الطلبة هذا الأمر فمن يدافع عن حقوقهم؟

وعلى رئيس الجامعة الأردنية الدكتور اخليف الطراونة ومن خلفه مجلس الأمناء أن يفخروا أيضاً بأن الجامعات الأردنية ما تزال تنجب حراكاً سلمياً مطلبياً وحقوقياً متحضراً بعد أن أوشكنا أن نفقد الثقة بطلبتنا وجامعاتنا، وصار لدينا إحساس وقلق بأنهم لا يلتفتون لما يحدث ويدور حولهم، وأن الصراعات العشائرية والمناطقية قد استحوذت على تفكيرهم.

حق الاعتصام والتجمع السلمي مكفول بالدستور ومكفول بالمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن، ومن حق الطلبة أن يستخدموه للضغط على إدارة الجامعة دون أن يتعرضوا لحملات الاتهام والتخوين، وحتى لو افترضنا أن الطلبة الذين يتصدرون الاعتصام المفتوح ينتمون لأحزاب وتيارات سياسية، فما هي الجريمة التي ارتكبوها حين يعلنون موقفاً رافضاً لرفع الرسوم الجامعية ويعملون على حث واستقطاب الطلبة لمساندتهم؟

ما يفعله طلاب الجامعة الأردنية الآن باعتصامهم المفتوح عملناه قبل 35 عاماً في جامعة اليرموك، وحينها لم يكن هناك برامج للتعليم الموازي ولا للدراسات العليا، ولكنني أتذكر بأن الطلبة رفضوا زيادة دينار واحد فقط على سعر الساعة الدراسية ولم يوقفوا اعتصامهم رغم الضغوط، بل توقفت الدراسة في معظم الكليات الى حين تراجعت إدارة الجامعة عن القرار، وليس سراً حين أقول إن التنظيمات والأحزاب السرية في أول الثمانينيات كانت تقود الحراك الطلابي في جامعة اليرموك.

ما فعله طلبة اليرموك في ذلك الوقت صحيح، وما يعيد صناعته طلبة الأردنية الآن أيضاً صحيح، فالتعليم من الحقوق الأساسية وليس تجارة، والمشكلة أبعد بكثير من رئيس الجامعة الأردنية، فهي ترتبط بفكرة الحقوق الاقتصادية للناس، ومتعلقة بسياسات التعليم التي تحتاج الى مراجعة جذرية.

لا يتحمل الدكتور اخليف الطراونة المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع بالجامعة الأردنية، وربما يكون وضع في هذه الخانة الضيقة في إطار تصفية الحسابات السياسية، ومن واجبه كرئيس للجامعة أن يحمي المعتصمين في كل الأحوال وأن لا يقبل بأي حال من الأحوال التعرض لهم.

بالتأكيد فإن الاعتصام المفتوح لن يحل مشكلة الجامعة الأردنية أو كل الجامعات الحكومية، والأمر يحتاج الى ورشة عمل لإصلاح التعليم العالي، وأي كلام عن أن رفع أسعار التعليم الموازي لا يمس الفقراء ليس دقيقاً، فكثير من الطلاب حصلوا على معدلات فوق 85 % في الثانوية العامة ولم يتمكنوا من الحصول على مقعد جامعي على أساس التنافس واضطروا للتسجيل في الموازي وهم غير مقتدرين، وفي ذات الوقت نتائجهم في التوجيهي كانت "جيد جداً".

مطلوب الآن أن نعيد النظر بكل سياسات الاستثناءات وأن نراجع سياسات القبول برمتها على ضوء تزايد البطالة وتشبع سوق العمل ببعض التخصصات.

لن نقول جديداً حين نطالب بخطوات حاسمة لدعم التعليم المهني بعد أن أصبح التعليم الأكاديمي عبئا، فهناك بطالة بالآلاف في كل التخصصات "مهندسين، أطباء، محامين، صحفيين، صيادلة" و"الحبل على الجرار".

قبل أن نتحرك لرفع رسوم الموازي لأن طلبة التنافس لا يغطون سوى 50 % من كلفة تعليمهم، واجبنا أن نوقف الترهل والبطالة المقنعة بين الإداريين بالجامعة وكذلك الأساتذة الذين عينوا إرضاء لمراكز القوى.

إنقاذ التعليم الجامعي في الأردن حزمة متكاملة ورفع رسوم التعليم الموازي والدراسات العليا لن يحل مشكلة الموارد المالية، بل هو تجاهل للأزمة وطريق التفافي لا يؤدي لاستدامة تلتزم بتقديم تعليم جيد بالجامعات.

أتساءل لماذا لا توجد "صناديق" لدعم الجامعات، لماذا لا يوجد "وقف" لدعم الجامعات، لماذا لا يقبل رجال الأعمال على التبرع والرعاية للجامعات لأنها بوابات المستقبل للأردن؟

أقف مع الطلبة المعتصمين لأنهم يدافعون عن حق لهم، وأي مساس بهم اعتداء علينا جميعاً، وأتمنى على مجلس أمناء الجامعة الأردنية أن يتنازل عن كبريائه فيتراجع عن قراره فهو ليس مقدساً.