نحو حالة وطنية أكثر صلابة



يستطيع أي مراقب سياسي يتابع الشأن السياسي الأردني أن يدرك بوضوح تصاعد الحالة الوطنية الأردنية، ونموّها بطريقة إيجابية متنامية، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والإقليم، رغم التطورات السياسية التي تدعو إلى الإحباط والقتامة، حيث أن الحوادث المؤلمة استطاعت أن تحفز الأردنيين نحو مزيد من التماسك الوطني، ونحو مزيد من التمسك بالدولة ومؤسساتها بوصفها منجزاً شعبياً وطنياً، يستحق الانتماء العميق والالتفاف القوي الذي يبني ولا يهدم، ويعزز ولا يضعف، ويتقدم ولا يتأخر.
استشهاد الطيار معاذ الكساسبة أسهم في قوة التماسك الشعبي وليس العكس، وزاد في تعزيز وحدتهم وصلابتهم في عملية المواجهة مع خطر الإرهاب والتطرف، وليس كما توقع من أشرف على حرق الشهيد الطيار في طريقة إجرامية بشعة حيث أرادوا أن ينالوا من عزيمة الأردنيين، وأن يثيروا الهلع والخوف في نفوسهم، كما أن عملية إربد التي استشهد خلالها الرائد راشد الزيود أسهمت إسهاماً إضافياً في قوة تلاحم الأردنيين وتصاعد الروح الوطنية إلى مستويات قياسية أكثر من أي وقت مضى.
تصاعد الحالة الوطنية انعكس على الخطاب السياسي بوضوح لدى الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، حيث أنها أصبحت أكثر جرأة في محاولة الانتقال من مربعات التبعية للخارج والانعتاق من حالة البؤس التي عاشتها في مراحل سابقة وكانت تحاول جهدها في بث ثقافة الالحاق السياسي، تحت شعارات عامة فضفاضة تقوم على جعل الأردن ساحة وملعباً لأنظمة وعواصم عربية أو لقوى وأحزاب خارجية.
كانت المنهجية السياسية لبعض القوى السياسية التقليدية تقوم على فكرة إضعاف الدولة، وإضعاف مؤسساتها، وخلخلة الحالة الوطنية، وكان يسوءهم أي انتصار أردني، ويسرهم في الوقت نفسه أي محاولة عبث أو اختراق للأمن الوطني، ولذلك تجدهم يبحثون عن الأخبار السيئة وإبراز نقاط الضعف التي تضعف من العزيمة العامة وتوهن المعنويات، وتقلل من حالة التماسك الوطني، ويتبعون بشكل دائم عملية التشكيك والنخر في الجدار الوطني.
الظروف القائمة التي تحيط بالأردن من كل جانب، والأخطار المحدقة التي تهدد أمننا الوطني تحتم على العقلاء وكل المهتمين في الشأن السياسي أن يعمدوا إلى تقديم أولوية الوحدة الوطنية على كل الأولويات الأخرى، وأن يعمدوا إلى تبني خطاب سياسي مختلف، يدعو إلى الالتفاف حول الدولة والجيش والمؤسسات الوطنية، وكذلك ضرورة الدعوة إلى وحدة الرؤية والهدف، وتوحيد الاستراتيجية الكبرى على مستوى الوطن في مواجهة الظروف الحرجة والأخطار السوداء التي تلف المكان، وهذا مقدم على المكاسب الحزبية والفئوية والشخصية، ومقدم على الخلافات في الرؤى والسياسات الداخلية.
نحن بحاجة ماسة إلى الشروع في تشكيل الحالة الوطنية الصلبة القوية، وبناء الأطر السياسية التي تسهم في إتمام بناء الدولة الأردنية القوية، التي تقوم على حشد طاقات أبنائها في مسار سياسي حكيم ومتزن يحفظ مستقبل الأجيال، ويتجاوز كل الحالات غير المقبولة التي تضعف النسيج الوطني الأردني وتقلل إمكانيات النهوض والتقدم الجمعي.