تركيا.. أطلب الحل ولو في طهران !


 

يعتقد رئيس الحكومة التركية اوغلو أن في الحركة بركة ، على أمل ان يساعد الحراك الدبلوماسي المتسارع حكومتة في تطويق واحتواء الازمة السياسية الامنية الاقتصادية الداخلية ، ويدعمه في مواجهة التحديات الخارجية ، الاقليمية والدولية ، الناتجة عن التورط في الحرب السورية، والعداء المتصاعد بين انقرة وموسكو.


وقبل الدخول في تفاصيل الحراك التركي السياسي الخارجي، من الضروري البحث في أسباب هذا التحرك ، وعلى اكثر من جبهة. كلنا يعلم أن سياسة الرئيس اردوغان ، وخصوصا حيال الازمة السورية ، والتصعيد العسكري ضد حزب العمال الكردي ، وقصف أكراد سوريا، والعداء لروسيا، وتعامله مع ازمة اللاجئين ، كل هذه العوامل قادت الى احداث الشغب والفوضى في الداخل ، وبالتالي الى التراجع الاقتصادي الذي تحول الى ازمة اقتصادية.ش


واجه اردوغان سلسلة من التحديات الداخلية ، ليس بسبب المسألة الكردية فحسب ، بل اشتبك مح حليف الامس فتح الله غولن ، والذي يمتلك منظومة اعلامية اقتصادية اجتماعية واسعة في تركيا ، وقد داهم رجال الامن صحيفة «الزمان» التي يملكها غولن ، والتي تطبع وتوزع حوالي مليون نسخة يوميا ، الى جانب عدة مجلات بلغات مختلفة ، ووكالة انباء كبرى ومحطات تلفزيونية ، وشبكة من المدارس والجامعات. كذلك اقتحام رجال الامن مكاتب اكثر من وسيلة اعلامية ، واعتقال عدد من الصحفيين والناشطين السياسين من المعارضين لسياسة اردوغان.


جاءت هذه الحملة لتسجل أكبر اجراء تعسفي ضد حرية التعبير في تركيا.

 وهذه الاجراءات واكبها تصعيد أمني ألقى بظلاله على الوضع الاقتصادي ، فحدث انكماش ظاهر ومؤثر في الحركة الصناعية والتجارية ، وكذلك التراجع في الحركة السياحية ، علما بأن الدخل من السياحة وحدها بلغ في العام 2014 حوالي 36 مليار دولار. هذا الواقع ، أو التراجع الاقتصادي ، بآثاره السلبية الاجتماعية ، أقلق الحكومة التركية، واجبرها على التحرك السريع والبحث عن حلول ، رغم عناد وتصلب اردوغان. في المحطة الايرانية ، ورغم توتر العلاقات بين البلدين، هبطت طائرة أحمد داود اوغلوا في مطار طهران ، في زيارته الاولى غير المتوقعة، منذ تشكيله الحكومة التركية.

 تساءل الكثيرون حول اسباب هذه الزيارة المفاجئة، فاعتقد البعض أن الزيارة بداية لتراجع تركي خطوة الى الوراء، بسبب الازمات التركية الداخلية والخارجية ، ولكن اوغلو حاول الايحاء بان الزيارة غير سياسية ، هدفها توطيد العلاقات بين البلدين وتعزيز التبادل التجاري ليصل الى مستوى 30 مليار دولار، في حين تحدث عن السياسة باستحياء وبالتلميح.


هناك من اعتقد أن انقرة سعت الى وساطة ايرانية لتخيف حدة التوتر والعداء مع روسيا ، ولكن هناك من فسر هذه الزيارة بسعي تركي الى تحويل الازمة في سوريا من ازمة دولية الى ازمة اقليمية تتم معالجتها بالتفاهم بين انقرة وطهران ، اي نزع الاوراق من يد موسكو والولايات المتحدة بعدما ادارت واشنطن ظهرها لتركيا ، وانحازت الى الجانب الكردي. ولكن في الحقيقة لم يعلن خبايا واسرار هذه الزيارة التطبيعية بين البلدين بشكل واضح حتى الآن.


أما في المحطة الاوروبية ، حاول اوغلو في مؤتمر بروكسل ابتزاز الاتحاد الاوروبي ، عبرصفقة تبادل المصالح على حساب قضية اللاجئين، وهي الصفقة التي اعتبرتها الامم المتحدة مخالفة للقانون الدولي ، الذي لا يسمح بالترحيل الجماعي للاجئين. في هذا الاتفاق ، الصفقة، طلبت تركيا ثلاثة مليارات دولار اضافية ، لتويض بعض خسائرها الاقتصادية ، والغاء تأشيرة الدخول الى دول الاتحاد الاوروبي بالنسبة للمواطنين الاتراك ، واعادة المفاوضات لقبول تركيا في عضوية الاتحاد، مقابل ايجاد حل لتخفيف تدفق اللاجئين من تركيا او عبرها ، الى دول الاتحاد الاوروبي ، أو أن تستعيد بعضهم.


هذا هو حال تركيا وواقعها السياسي والاقتصادي والامني ، بسبب سياسة الرئيس اردوغان غير المدروسة والمرتبكة ، وبسبب اندفاعه وتورطه في الازمة السورية ، واستفزاز روسيا. هو الواقع الذي اجبر اوغلو البحث عن الحلول في بروكسل ، وحتى في طهران ، وربما تقوده الطريق ، في وقت ما ، الى موسكو ، بعدما تلاشت احلام السلطان .