إضاءة على المجموعة الشعرية "وددت أن أكون شجرة"

أخبار البلد

 



بقلم: صابرين فرعون


شممت رائحة الثورة في قصائدها الرومانسية، تركتني معلقةً في عوالم لغتها التي برزت بها ملامح للحزن على اتساعها وغناها بوحدات بنائية "ألفاظ" تُشكل الديناميكية الحكائية لقصائد متجذرة، تعتز بأصولها الأفغانية، فيها نلمس مسحةً من المواويل الأندلسية والصوفية، لأنها موانئ للذات الباحثة عن بعض الأمن، فيها إحالات نفسية وسيكولوجية واجتماعية، تتجاوز الشكل والنوع اللغوي إلى الدلالات الوجودية "العقلية والحسية" المشحونة بعمق الطرح والانعكاسات الواقعية للدراما اللغوية والتراجيديات التصويرية "المشهدية"..

 تقوم الشاعرة الأفغانية لاجورد عبد المجيد في مجموعتها "وددت أن أكون شجرة" بالتخلص من الأنقاض المجتمعية "العادات والتقاليد والقبلية" وبناء ما يقوم على احترام الإنسان، والأنثى تحديداً، واستنطاق روحها التي التهم كبدها وجع الحروب والانغلاق الاجتماعي، فتتمازج وتتوحد ذاتها مع الكينونة الأم "الطبيعة" بعنفوانها واخضرارها وإثمارها، وشموخ "الشجرة" كرمز للأنثى، بالشكلين البشري والنباتي، في وجه الحطابين، والثورة على القحط والجفاف، فسلال المعاني تحمل أمنيات بترك الطفلات يكبرن وتحقق النسوة طموحاتهن في التعلم والإنجاز وتمكين أساسات المجتمع لارتباط اللبنة الأساسية بالأمومة.. قد تختلف الآراء في اللباس المحتشم للمرأة، ولكن تكميمها وتغطيتها بالجادرى "العباءة الأفغانية" الذي يعيق حركتها ويقيدها لا يدخل في مفهوم الحشمة، فتقنيع المرأة ولفها كالمومياء من رأسها لأخمص عينيها ودفنها في المنزل لتقضي حياتها في الخدمة البيتية "القصرية" ثقافة تحرف بوصلة تفعيل دورها وتمحو بصمتها وصوتها وتدمغ المجتمع بالطابع الذكوري وتعيق تواصل الشراكة وتلغي لغة الاتصال وتحصر الوعي والعلم والثقافة بالرجل دون المرأة..

 وظفت الشاعرة لاجورد عبدالمجيد المحاكاة والرمز في العناوين والمضمون، فكانا بين البسيط والسريالي عنصران لاختزال الصورة، يتيحان الفهم السليم للجملة الشعرية لكل أنواع القراء، لأن الذات المكتوبة تتمازج مع جماليات اللغة من خيال شعري وموسيقى واستعارة وتشبيه، وتنفتح على تصالح روحي للمعاني وموضوعات النصوص الشِعرية، كما اعتمدت الألوان التي ولّدت توازناً في حقل الموسيقى والطبيعة المُلهِمة، لتصنع طقوسها الصوفية وتحرر ذاتها الأنثى من قمقم تخضع فيه لذكورة المجتمع .. احتوت المجموعة الشعرية على تنوع نوعي من قصائد نثر وومضات شعرية وهايكو، أغنت المجموعة ورفدتها بالمشاهد التأملية، حيث احتوت القصائد النثرية نوعاً من الزخرف اللفظي في رسم الأخيلة الشعرية، بدأت تختفي مع الومضات لتأخذ بعداً أكثر عمقاً باللغة، حتى وصلت الهايكو الذي اعتمد بكليته على عناصر الطبيعة في تشكيل الزمن السردي والوصفي للنص، نص آني ولحظي يقطعه تصدُر الحواس للمشهد وفكرة النص.. بشكلٍ عام، عتبات النصوص لدى لاجورد بسيطة وأنيقة، تشد القارئ لتذوق النصوص والتمعن في وحدته الموضوعية وانعكاساتنا داخله...

لاجورد عبدالمجيد شاعرة وفنانة تشكيلية أفغانية، حاصلة على شهادتها الجامعية تخصص دراسات إسلامية.. "وددت لو أكون شجرة" مجموعتها الشعرية الأولى والصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع..