السر العميق..
حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم يعرفون الأردن جيدا ، يكتشفون من وقت لآخر أنهم لم يدركوا سره العميق بعد ، فهو يفاجئهم بما لا يخطر على بال ، فما بالك بمن لا يعرفون سوى أنه بلد صغير محدود الموارد ، يناضل في سبيل التغلب على الصعاب الداخلية ، والتهديدات الخارجية ، وهم كذلك معجبون به حين يرونه صامدا في وجه كل تلك التحديات ، صابرا مرابطا ، مثل جندي يحفظ كلمة السر في عقله وقلبه ولا ينطق بها لعدو ولا صديق أبدا.
انظر إليهم وهم يحتارون في تفسير استشهاد الرائد البطل راشد حسين الزيود لأنهم قد لا يعلمون الكثير عن الجيش العربي والأجهزة الأمنية ، ولا عن عقيدتهم المستمدة من أول جيش من جيوش النبي العربي الهاشمي محمد صلوات الله وسلامه عليه ، حيث القائد في المقدمة ، هو أول المهاجمين ، فإن انتصر أو استشهد فكل من خلفه كأنهم هو يواصلون المعركة حتى ينالوا إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة.
تلك العقيدة تفسر ذلك السر في أن يحرص القائد الأعلى للقوات المسلحة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين على مواراة شهيده الثرى بنفسه ، يستحضر في وجدانه وقوف النبي الكريم يدفن الشهداء ويقول « أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة « ويبعث للأشرار رسالته بأن دم شهيدنا لن يذهب هدرا.
وما سر هذه الجموع الزاحفة إلى مضارب عشائر الزيود ، وقبلها إلى مضارب عشائر الكساسبة حين استشهد البطل الطيار معاذ على يد الجماعة الآثمة ذاتها ؟ السر هو أن الأردنيين جميعا أهل لكل شهيد ، لأنه الابن البار ضحى بدمه من أجل سلامتهم وأمنهم ومستقبل أبنائهم.
وماذا عن أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يقدمون الشهداء كل يوم ، حتى ظننا أنهم اعتادوا الشهادة فلا يهزهم الفقد ، فإذا بهم يفتحون بيوت العزاء لابنهم راشد الزيود ، ويطلقون اسمه على الميادين والشوارع ، وكأنهم يقولون بأعلى صوت نحن أهله وعشيرته ، وهو شهيدنا كذلك ، فكل شهدائنا يرتقون إلى السموات العلا في موكب واحد.
ما زال السر أعمق من أن ينكشف ، وما ذلك إلا مفتاح صغير.