الفكر الإرهابي نار تحت الرماد

ما حدث في الأردن بعد العملية الأمنية في إربد لضرب خلية لتنظيم "داعش" قبل تحركها وتنفيذها عمليات إرهابية لن يتكرر ولن نشاهده في بلد آخر.
الأردن يد واحدة، وقلب واحد، وصوت واحد، الملك يخفي دموعه ويواري بيديه الشهيد الرائد راشد الزيود، وفي كل قرية ومخيم مهما كانت قريبة أو بعيدة تجد الحزن في عيون الناس غصة ووجعاً على رحيل الزيود، وتجد الإصرار والتحدي على حماية هذا الوطن من الإرهابيين بغض النظر عن أسمائهم.
دروس كثيرة نتعلمها من العملية الأمنية التي حدثت في إربد، كما تعلمنا من قبل دروساً بعد استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، وأول الدروس وأهمها بأن الأردن موحد وليس هشاً تتقاسمه الصراعات والنعرات، وثاني الدروس المهمة بأن المناخ والبيئة مهيآن لاجتثاث الفكر الظلامي والإرهابي إذا أحسنت الدولة وأجهزتها التعامل مع هذه القضية.
العملية الأمنية التي حدثت في إربد كانت استباقية ونتيجة جهد استخباراتي محترف وطويل، وهذا يعكس يقظة وقوة جهاز المخابرات وقدرته على اختراق الخلايا الإرهابية، ولكنه يؤشر في اتجاه آخر إلى أن طريقنا طويل في حربنا مع الإرهاب، وأن الأردن في عين العاصفة، وأن تداعيات الحرائق الإقليمية ندفع جزءاً من فاتورتها.
أحسنت المخابرات والجيش والدرك والأمن العام في إدارة الأزمة، ولا أتحدث فقط في البعد الاستخباراتي والأمني وإنجاز المهمة، بل أتحدث عن تقديم المعلومات بسرعة للإعلام والجمهور، فهذا بحد ذاته يحاصر الاشاعات ويحد من فوضى المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعزز الروح المعنوية للمجتمع.
وليت الأجهزة الأمنية تستمر في نهج توفير المعلومات للجمهور، فمنذ انتهاء العملية الأمنية زادت الأسئلة التي يتداولها الشارع وتبحث عن إجابات، فمن هم الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم، وما هي الأهداف التي كانوا يريدون استهدافها، وهل تفاجأت الأجهزة الأمنية بالأسلحة التي يمتلكونها، وهل حدثت اعتقالات قبل العملية الأمنية في إربد؟، أسئلة كثيرة إجاباتها تساعد على رصّ الصفوف، وتقلل الفتاوى والإشاعات، ولهذا فإن مؤتمراً صحفياً للأجهزة الأمنية ربما يكون حلاً، مع معرفتنا مسبقاً أن هناك معلومات وأسئلة لا يستطيعون الكشف عنها الآن.
انتهت العملية الأمنية في إربد ولا نريد التهويل من أخطارها لأن ذلك يؤثر على المجتمع والأردن وعملية التنمية والاستثمار والسياحة فيه، فرغم أننا على الجوار مع سورية والعراق إلا أن الأردن استطاع أن يؤكد قولاً وفعلاً أنه بلد آمن والحياة فيه طبيعية جداً.
ولا نريد أن تكون العملية الأمنية والمواجهة مع الخلايا النائمة مبرراً للاندفاع في المعالجات الأمنية على حساب سيادة القانون والالتزامات الحقوقية، فالخارجون على القانون يعاقبون ويحاسبون وفق القانون، ولا يجوز أن يمتد أثر أفعالهم المدانة إلى أسرهم وعائلاتهم، فهم ليسوا مسؤولين عنها إلا إذا ثبت عكس ذلك.
هذا الكلام يعيد النقاش إلى المربع الأول، الأجهزة الأمنية تقود بدورها وترصد تحركات كل الإرهابيين وتلاحقهم وتُفشل مخططاتهم، لكن ماذا غير ذلك، ما هي استراتيجية الدولة لمحاربة ومكافحة الفكر المتطرف، كيف نستطيع أن نقلص فرصهم في استقطاب الشباب وتجنيدهم؟!
حتى الآن شخصياً لا أعرف ماذا تفعل الحكومة، ماذا تفعل وزارة التربية، ماذا تفعل وزارة الأوقاف، ماذا يفعل المجلس الأعلى للشباب؟
شباب مبدعون مثل ممثلي فيلم "ذيب" يستطيعون أن يلعبوا دوراً ريادياً في مكافحة الإرهاب، فقصة نجاحهم ملهمة، لاعبو "الوحدات" و"الفيصلي" أكثر تأثيراً من الوزراء وكلامهم، إفساح المجال لمؤسسات المجتمع المدني التي تحاصرها الحكومة للعمل في القرى والمدن وتشجيعها هو الطريق لحصار الفكر المتطرف.
أُغلقت الحدود في وجه المتعطشين للانضمام الى التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"النصرة"، وهذا يدفعهم للتفكير في العمل بالداخل، ومالم نملك أكثر من مؤسسات أمنية محترفة وفاعلة فإننا سنظل نشعر بالقلق من فكر الإرهاب، فهو نار تحت الرماد.