لا تتعاموا عن هذا الخطر..

ليست مجرد ذاكرة قصيرة متطايرة، إنما هي ثقافة الاستعراض والخواء، فالكل يتحدث ولا أحد يسمع والكل يكتب ولا أحد يقرأ، هي نزعة النجومية وسط الفوضى، فلا تكونوا كالذين سدوا جميع النوافذ خشية الظلام فإذا بهم في العتمة «يعمهون»..

بأقل من حرف واحد، وبكلام من طرف واحد، وإشاعة، وتصريحات خداعة..وبلا مهنية تتحدث وسائل إعلام عن اعتصام ماراثوني في الجامعة الأردنية، وتكتفي بنقل كلمات متقاطعة من بعض الطلبة، وتتعهد هي بالباقي، فيسمع المتلقي العنوان ويكتفي به، ثم تكبر «كرة الطين» وقد تتدحرج فتتجمد على نوافذ المنطق والموضوعية..

قبل أيام وقفت على باب الجامعة الأردنية، فإذا بفضائيتين تجريان لقاءات مع طلبة في الجامعة الأردنية، يصطفون على هيئة الأفلام الموضبة التي كنا نراها قبل 5 سنوات عن سوريا، فاقتربت من أحد مندوبيهما، وسألت: هل تنقلون حدثا أم تعدون تقريرا أين وجهة النظر الأخرى؟ وكنت أسمع ما يقوله الطلبة حول موضوع الاعتصام، فأجابني : نلتقي مع الطلبة المعتصمين فقط، ووجهة النظر الأخرى «ربما» نأخذها من رئيس الجامعة في الأسبوع القادم !.. ياللمهنية والتوازن والموضوعية ! ربما بعد أسبوع يوردون وجهة نظر الجامعة التي يتم اتهامها برفع الرسوم الجامعية !.

أما الانفصام فيتجلى في فكرة الاعتصام:

على وقع قرار التجديد لرئيس الجامعة، جهات لا علاقة تربطها بالطلاب وبالرسوم وبالفقر والقهر، تقوم بمحاولة تصفية حسابات، بافتعال حدث يبدو للمتلقي جديدا، يتعلق بقرار الجامعة قبل 3 سنوات رفع رسوم التعليم الموازي ورسوم الدراسات العليا، بعد الأزمة المالية التي تعاظمت في الجامعات على الشكل الذي بات يؤثر على قدرتها في الاستمرار، والسؤال عن التوقيت وإن كان مقبولا «سياسيا»، فهو محض استغلال واستقواء على الجامعة وجرأة غير محمودة، تهدد استقرار الجامعات كلها، وتضرب في أصل رسالتها، فالنضالات تصبح فوضى وانفلات حين يجافيها المنطق، وتقفز عن الحقائق.. لكن ما هي الحقائق ؟! أتحدث عن واحدة:

رسوم التعليم العادي في الجامعة الأردنية هي أقل رسوم تتقاضاها جامعة أردنية، ولم تقم بتعديلها أو رفعها، لكنها رفعت رسوم الموازي قبل 3 سنوات، والذي يتقدم له فيها مع بداية كل فصل دراسي أكثر من 10 آلاف طالب، يتم قبول ألف منهم أو أكثر حسب معدلاتهم في الثانوية، التي لا تقل عن 85 في أقل التخصصات جذبا، ولم يتساءل أحدا من هو هذا الطالب الذي معدله في الثانوية العامة مرتفع، ويتقدم للموازي في الأردنية، ألم يحصل على مقعد جامعي عادي في قائمة القبول الموحد؟!

هم يحصلون على مقاعد دراسية عادية، لكنهم أغلبهم وربما جميعهم من سكان عمان، ولا يريدون الذهاب الى جامعة في مدينة أخرى، ولو كانوا يشتكون الفاقة والفقر، لذهبوا للدراسة «المجانية» في جامعات الجنوب، التي حازوا على مقاعد تنافسية فيها، لكنهم استنكفوا عنها، وتقدموا للدراسة على الموازي في الأردنية، ثم يتساءلون عن رفع رسوم الموازي، في جامعة لا تتلقى دعما حكوميا منذ سنوات، وتعتمد على نفسها في تسيير شؤونها.. ولا نريد التحدث عن حقيقة أن أغلب هؤلاء الطلبة في برنامج الموازي في الأردنية، كانوا بالأمس يدفعون أضعاف هذه الرسوم لمدارس خاصة.. وهذا نموذج من الحقيقة الغائبة التي يتعمد بعضهم القفز عنها، قفزا متماهيا مع رغبات وسائل اعلام تريد رؤية مزيد من فوضى في الأردن !.

اعتصام ليلي ومبيت في أم الجامعات وعلى خلفية مثل هذه الأسباب، هو سنة ذميمة في وقت حرج، يجب ان لا تحدث في عمق ساحات التعليم العالي، فلا تنشغلوا بحروبكم الصغيرة ضد مسؤولين أصبح نجاحهم سببا لتعاميكم عن هذا الصخب، الذي سيكون أخطر من أي ظلام، حين يستهدف ساحات التنوير في قلبها، فينقلب السحر على الساحر ويبوء الوطن بالخذلان.. لا تتعاموا.