عمّا حدث في إربد

من المهم أن نقرأ ما حدث في إربد من مواجهات بين القوات الأمنية الخاصة ومجموعة موالية لتنظيم "داعش"، بعمق ودقّة وإحاطة بالأبعاد المختلفة للعملية الأمنية والمقاومة التي حدثت من هذه المجموعة.

الملحوظة الأولى؛ تتجسد في مؤشر -رصدناه منذ عامين تقريباً، وسجلته في كتاب "أنا سلفي"- ويتمثّل في صعود ملحوظ للتيار السلفي الجهادي في إربد، وبدرجة أكبر في مخيّمها، مقارنة بالأعوام السابقة. فبالرغم من وجود "نواة للتيار" سابقاً هناك، إلاّ أنّ ارتفاعاً نوعياً حدث في عدد أتباعه وأنصاره، فضلاً عن انضمام بضع مئات من هذه المناطق إلى "جبهة النصرة" و"داعش" في سورية.

الملحوظة الثانية؛ أنّ المزاج الغالب لأبناء التيار في إربد هو "الولاء لتنظيم داعش" وليس لجبهة النصرة. وذلك يعود لأسباب متعددة، منها مرتبط بالخط البياني الصاعد لتنظيم "داعش" والمتراجع لـ"القاعدة" و"النصرة" عالمياً وإقليمياً، والحال كذلك في الأردن؛ إذ إنّ أغلب أبناء "الجيل الجديد" في هذا التيار "داعشيّو المزاج"، بالرغم من أنّ شيوخ التيار في الأردن من أبرز خصوم "داعش"، مثل أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني.

في المقابل، يميل شيخ التيار في مخيم إربد، تحديداً، عبد شحادة الطحاوي، المعتقل حالياً، إلى تنظيم "داعش". والشخص الأهم منه كونه الأكثر تأثيراً على هذا الجيل، هو عمر مهدي زيدان، الذي يحاكم غيابياً أمام محكمة أمن الدولة، لوجوده مع "داعش" في الرقّة. وكان خلال وجوده في الأردن من أشدّ مناصري "داعش" عبر مدونته المعروفة "جرير الحسني".

الملحوظة الثالثة؛ وتحتاج إلى فحص واختبار، لاحقاً، تتمثّل في أنّ أبناء هذا التيار كانوا يسلمون أنفسهم، في التجارب السابقة، عادةً، فيُعتقلون ويحاكمون أمام القضاء، وفي أحيان يتم استدعاؤهم من قبل الأجهزة الأمنية واعتقالهم فيها. لكن ما حدث أمس مؤشّر على وجود "فتاوى" جديدة لدى الموالين لداعش في الأردن، بعدم تسليم أنفسهم، واللجوء إلى المقاومة المسلّحة.

الملحوظة الرابعة؛ أن من الواضح أنّ المجموعة الإرهابية أعدّت نفسها جيّداً بالتسليح والذخيرة. والبيان الأمني أشار إلى ظاهرة جديدة خطيرة، وهي "الأحزمة الناسفة"، وكانت تعدّ لمهاجمة أهداف مدنية وعسكرية، لكنّ جرى بنجاح إجهاض العملية قبل الشروع فيها، عبر حملة مكثّفة استمرت لأسابيع، وجرى خلالها اعتقال 13 شخصا من أفراد التيار، وصولاً إلى الخلية.

الملحوظة الخامسة؛ تتمثل في أن جهاز المخابرات العامة نجح في منع كارثة حقيقية، في حال تمكّنت المجموعة من تنفيذ عمليتها. لكن التحدي اليوم أصبح أكبر؛ فمنذ بداية صعود "داعش" في المنطقة كانت المجموعات الموالية له تفضّل السفر والانضمام إليه، ومع تضييق الحدود أكثر، وتضاعف عدد أتباعه بدأ يظهر تفكير جديد يقوم على نقل المواجهة إلى الأردن، رأينا بعض نتائجه في ما قامت به مجموعة أمس، ما يعني إمكانية "استلهام" مجموعات أخرى من هذا التيار الطريقة نفسها!

الملحوظة السادسة؛ فيها تذكير بتطوّرين نوعيين خطيرين حصلا في سيرة هذا التيار خلال الأعوام القليلة الماضية. الأول، هو اختراقه للطبقة المتعلمة والأكاديمية؛ فهناك نسبة من طلبة الجامعات ومن الدراسات العليا انضموا إلى هذه الجماعات، "النصرة" أو "داعش". والثاني، أنّه اخترق الطبقة الوسطى، فيما كان سابقاً أقرب إلى الطبقات الفقيرة والأعمال الاقتصادية المرتبطة بها.

الملحوظة السابعة؛ أنّه بالرغم من أنّ هناك نمواً في عدد أفراد التيار، إلاّ أنّ المزاج الاجتماعي العام يزداد حدة وقوة في مواجهة هذا التيار، أي إنّه على الهامش ومعزول اجتماعياً. وذلك ما تثبته استطلاعات الرأي، وأظهره الأردنيون أمس بروح وطنية جامعة في التنديد بالمجموعة والاعتزاز بالشهيد النقيب راشد الزيود، ما يذكّرنا بالحالة نفسها غداة استشهاد الطيار معاذ الكساسبة.