مواجهة الخارجين عن القانون

يتوقع المراقبون والمحللون السياسيون منذ زمن أنه سوف تجري محاولات لزعزعة الأمن في الأردن، وسوف تلجأ بعض الأطراف إلى محاولة اختراق الساحة الأردنية، وجرى إطلاق بعض التحذيرات للحكومة والأجهزة المختصة في هذا السياق، وضرورة الحذر والاستعداد لمواجهة هذه المخططات في حال وجودها أو في حال دخولها إلى حيز التنفيذ.

هذه التوقعات كانت مبنية على قراءة المشهد الإقليمي، وما يجري في دول المحيط العربي، حيث أن هناك بعض الجهات السياسية تنظر بعين النقمة والحقد الدفين تجاه الإنجاز الأردني في تحقيق الأمن والاستقرار النسبي، والنجاة من الفوضى السياسية العارمة التي اجتاحت الإقليم منذ سنوات، وبعض الأطراف ترغب بشدة في جر الأردن إلى هذا المستنقع منذ أمدٍ ليس قصيراً، وبعضها ينطلق من موقع الاتهام للأردن بأنها لا بد وأن يكون لها يد في بعض ما يجري على حدودها.

على كل حال بغض النظر عن الدوافع التي تقف خلف العمل على إيجاد خلايا نائمة قادرة على إحداث الفوضى في الوقت المرغوب والمحدد لديها؛ يجب أن يتم إتخاذ موقف أردني موّحد يضم الشعب والحكومة والجيش وكل المؤسسات والأجهزة المختصة، ويضم كذلك كل القوى والأحزاب السياسية بلا استثناء، في مواجهة أي محاولة اختراق للساحة الأردنية وأي محاولة لزعزعة أمن الأردن واستقراره، بطريقة حاسمة وحازمة لا تقبل التردد أو المواربة، وأعتقد أن هذه اللحظة تشكل لحظة اختبار لكل القوى السياسية الأردنية بغض النظر عن حجم الاختلاف والتباين السياسي في الرؤى والمواقف والأفكار، لأن موقف مواجهة بذور العنف والتطرف بالقوة الشاملة لا يحتاج إلى كثير جدال.

ربما يكون الاختلاف مشروعاً ومسموحا في بعض القضايا الداخلية المتصلة ببعض التشريعات والقوانين، أوفي عمل المؤسسات الوطنية، أو في بعض السياسات في المسارات الاقتصادية والسياسية، ولكن في موضوع أمن الأردن ووحدة شعبه واستقرار نظامه يجب أن يكون الموقف موّحداً ومحسوماً، وأن تكون مسألة مواجهة العصابات المتطرفة التي تستخدم السلاح في فرض آرائها وفكرها الشاذ أولوية أولى لا يتقدم عليها موضوع آخر.

الاتفاق على حفظ الدم الأردني فريضة، وحفظ الأرض الأردنية وصيانة مقدرات شعبها من العبث ضرورة لا يسبقها ضرورة، والوقوف صفاً واحداً أمام محاولات الفوضى وإثارة النعرات بين مكونات الشعب الأردني من مقتضيات الإيمان، هذه كلها تشكل ثوابت وطنية في كل برنامج سياسي وطني ينتمي لهذا البلد وينتمي لهذه الدولة وينتمي لهذا الشعب.

نحن أمام مرحلة جديدة فاصلة، وانعطافة حادة في تاريخ المنطقة الحديث، تقتضي من جميع المخلصين والغيارى على الثرى الأردني الطهور أن يهبوا لإعادة بناء الحالة الوطنية الصلبة، القادرة على حفظ هذا البلد، والقادرة على مواصلة بناء الدولة الأردنية القوية بجهد أبنائها، ومؤسساتها الوطنية الأصيلة.

نحن جميعاً معنيون بأخذ العبرة والدرس مما يجري حولنا، وأن نستفيد من تاريخنا القريب والبعيد، وأن نعلم أن الأردن يستحق منا الكثير، ويستحق منا المزيد من التضحيات والمزيد من البذل، وفي الوقت نفسه يجب أن نؤمن إيماناً راسخاً بقدرتنا على بناء وطننا، وقدرتنا على حمايته ورفعة شأنه وجعله قلعة صامدة في وجه كل محاولات التفرقة والشرذمة والعبث، وسوف نتمكن بتأييد الله ونصره من تجاوز كل المخاطر وجميع المحن، بهمم عالية ورؤوس مرفوعة ونفوس أبية لا تعرف الخنوع وتأبى الذل والاستكانة للظلم.