إنه زمن الشعوب، وأما الحكام فيَتَخَبَّطون!

إنه زمن الشعوب، وأما الحكام فيَتَخَبَّطون!

بقلم محمد سلمان القضاة

صحيح أن الدقة والمهنية والحيادية تعد من أبرز شعارات المؤسسة الإعلامية الرائدة، وبالتالي تعتبر من أهم المبادئ الضرورية التي ينبغي للإعلاميين وأصحاب الأقلام الحرّة اتباعها، ولكن الأصح من ذلك كله هو كشف الحقائق مهما كانت مُرّة، ومحاولة التعليق عليها أو تحليلها، دون خوف أو وجل أو مواربة، فالمحن والملمات العاتيات لا ينفع معها مجرد التطبيل والتزمير والتسحيج، فالأوطان في هذه المراحل الدقيقة من حياة الشعوب العربية، أحوج ما تكون إلى من يقولون الحقائق كما هي مهما كانت مُرّة، فإنه زمن الشعوب، وأما الحكام فيتخبطون!

ومن هنا تجدنا ننحاز إلى الشعوب العربية المناضلة نحو الحرية ونحو الديمقراطية الحقيقية، وليس ذلك إلا لأن هذه الشعوب على حق، وأن الجهات الرسمية العربية مجتمعة بشكل أو بآخر على باطل، وإليكم بعض وجهات نظرنا.

فالبعض -ونحن نؤيد قولوهم، ونشاركهم فيما ذهبوا إليه- يرون أن العقيد القذافي بدأ يتخبط، وذلك لأنه بات يدرك تمام الإدراك أنه لن يعود بالتاريخ إلا الوراء، بالرغم من زعمه أنه "أبو التاريخ"، وأنه لن يستعيد سابق مجده، بالرغم من تصريحه بأنه "أبو المجد"،  وهو لن يعد عميدا لأحد، بالرغم من أنه قالها مرات ومرات إنه "عميد القادة العرب".


القذافي يتخبط، "من تَخَبُط"، ذلك لأنه تَجَبَّر وتَكَبَّر وتَعَجْرَف، وهو ما فتئ يحاول  تصدير الأزمة، لكنه فشل، فهو حاول توريط جارته الشرقية مصر، وأرسل إلى أرض الكنانة بأحد كبار أعوانه، ابن عمه أحمد قذاف الدم، والذي سبق أن أُعلن أنه انشق عن العقيد، لكنه مع بداية الثورة الشعبية زار القاهرة ثم عرج إلى دمشق ثم عاد إلى أرض النيل، وسط اتهامات بأنه يحاول هذه الأيام تجنيد بعض المصريين الذين يزعمون أنهم من أصول ليبية، ويرسل بهم إلى شرقي ليبيا في محاولة لإحداث فوضى أمنية في الأراضي الليبية المحررة التي يسيطر عليها ثوار ليبيا والمجلس الوطني الانتقالي في بنغازي وما حولها.

والقذافي أو ملك ملوك أفريقيا حاول أيضا توريط الجزائر، برغم اتهامات للأخيرة بأنها تمده بالمرتزقة وربما بالسلاح، لكن الجزائر "فيها ما يكفيها"، ولها مشكلاتها وأزماتها الخاصة، وهي تأبى على ما يبدو الانجرار وراء إغراءات العقيد.

القذافي وبعد أن تأكد فشل مشروعه أو فشل تهديداته في تطهير الشرق الليبي "شبر شبر، بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة، فرد فرد"، نراه يحاول إقحام تونس في الأزمة المتفاقمة، وها هي تونس اليوم تستدعي أواخر السفراء الليبيين للاحتجاج، ففي تونس ما يكفيها من مشكلات ويزيد، وهي غير معنية بأي تخطبات قذافية، وربما أن التوانسة يتذكرون قول العقيد لبعض نفر من أنصاره بعد أن تجمعوا أو جمعوهم له أمام باب العزيزية في العاصمة طرابلس، قوله "انظري يا أوروبا، انظري يا أميركا، انظروا يا أيها العرب"، مختتما بالقول "أوفرحوا،وأوروقصوا وأوستعدوا"!!

 

وكل المؤشرات تقول إنه راحل، فالحشود العسكرية اقترب موعد انتشارها على الأرض الليبيية وربما بدءا من مصراتة أو ما تبقى من المدينة التي دمرها العقيد بأسلحته الثقيلة وراجمات صواريخه، وقصفها قصفا عشوائيا، فهو كَثَّر من أعدائه وكارهيه فوق كثرتهم، بعد أن استعبد الشعب الليبي لأكثر من أربعين عاما وبات يمعن في قتلهم والتنكيل بهم، حتى استأجر مرتزقة لغزو أحفاد وحفيدات عمر المختار في عقر دارهم ولانتهاك حرماتهم.

وأما عمنا علي عبد الله صالح أو عمنا "الشاويش صالح" -بحسب ما يروق للبعض من ساسة وكتّاب وصفه، وذلك بالمقارنة مع العقيد- فيتفعفط، "من فَعْفَطَة"، فهو يصر على أن أصوات أبناء وبنات الشعب اليمني الثائرين ضد قمعه واستبداده لأكثر من ثلاثة عقود -بحسب لفظه وقوله- إنها "أصوات نشاز غير مقبولة"، مضيفا لهم بالقول "فاتكم القطار، فاتكم القطار، فاتكم القطار"، متناسيا أنه لا يوجد في اليمن لا سكة حديد ولا قطارات من أصله!!

والحقيقة إن عمنا صالح أكثر ما يذكر  المرء بالواقفين على منصة الحراج أو المزاد العلني، ممسكين بمكبر الصوت، ومنادين كيفما اتفق، فهو مرة يتقبل المبادرات وتراه في أخرى يرفضها، وما يصبح عليه ينفيه ظهرا، وما يقوله عصرا يتنصل منه مساء، ويصر على أنه سياسي بارع وأنه يجيد المراوغة. وهو يلح عليهم بالقول "ازْطَعطوا، ازْطَعِطوا" و"أنا مُزْطَعِطٌ أن"، وكل المؤشرات تقول إنه راحل، مهما حاول شراء الوقت أوالفَعْفَطَة، فقد قتل من الشعب اليمني شبابا شهداء لا يذهب دمهم هدرا، وكثَّر من أعدائه هو الآخر، وحتى أنه عض الأيادي التي مدت له العون في أكثر من مناسبة، من بعض الدول العربية، وهو سيرحل دون أن يحتفظ ربما بأي صديق. وأما الشعب اليمني فبات ينادي بالقول "الشعب يريد محاكمة السفاح".

وأما الأسد، فيقال إنه بدأ يَتَنَطْنَط، فهو أو حرسه  القديم أبى التجاوب في اللحظة المناسبة مع مطالب المنادين بالإصلاح، وهو ضحك وأضحك الناس في خطابه الأول، أو ربما انطبق عليه القول "إذا رأيت نيوب الليث بارزة، فلا تظنن أن الليث يبتسم"، فصفق له أعضاء مجلس الشعب تصفيقا برغم أنه لم يأتي بجديد، لا بل إن أحد النواب الكرام نهض ونعت الأسد بأنه لا يصلح لقيادة العالم العربي فحسب، بل إنه يصلح لقيادة العالم بأكمله، وسرعان ما صفق المصفقون!!

والأسد، بحسب المؤشرات، مقبل على مواجهة عقوبات دولية صارمة، هو وكبار رموزه، ولو بشكل فردي، أو كل دولة على حدة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا على وجه الخصوص، وأغلب الظن أنه راحل، لا بل هو كذلك، لأن الشهداء سقطوا بالمئات، إثر نطنطة الأسد، وعبثه وسفحه دماء الشهداء التي لا تذهب هدرا.

فالشعب السوري الذي سبق له التصدي للمستعمرين، بات مُصرّا على عرقلة الأسد وإسقاطه، فهو أي الأسد، يراه الشعب السوري قد تنطنط تنطنطا كثيرا وبشكل عشوائي، متسببا في مقتل الغزلان بل والنمور من أبناء الشعب العريق، ومتناسيا أن ما تيسر للغنضفر الأكبر من طمس للنور في حماة، ليس متيسرا اليوم لليث بالتعتيم على درعا، ففي زمان الأسد الأب، كانت المعادلة الإقليمية مختلفة، ولم تكن الشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصال موجودة، لا فيس بوك ولا تويتر ولا هاتف نقال ولا ثريا ولا غيرها.


كما أن الإدارة الأميركية تسعى منذ وقت طويل إلى تخليص سوريا من القبضة الإيرانية، ومن ثم إلى كبح جماح دمشق عن الاستمرار في دعم حزب الله اللبناني، وكل ذلك من أجل عيون المدللة الأميركية، إسرائيل.

وأما ما لا يُحسد عليه الأسد، فيتمثل في فقدانه شعبيته على المستوى العربي، واضمحلال "الكارزما" التي بناها عن طريق مَنْطَقَتِة للأشياء، وشعبيته ربما كانت تشبه إلى حد بعيد شعبية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التى علت وارتفعت لدى الشعوب العربية، إثر الموقف الإيجابي من غزة، حتى هوت دفعة واحدة بعد الدور التركي الفاتر إزاء محنة ومعاناة الشعب الليبي، والتي ليس مجال بحثها هنا.

وليسمح لنا القادة الراحلون أو من هم قيد الرحيل بممازحتهم، فالزمان الآن هو زمان الشعوب بلا منازع، وهنا يمكن التلخيص بالقول إن كل من القذافي وصالح والأسد، يَتَخَبَّط ويَتَفْعْفَط ويَتَنَطْنَط، على التوالي، وكلهم راحل، فمهما تعلموا من بعضهم البعض كيفية تقتيل الشعوب ودك المدن الآمنة، فهم إلى زوال، صدقوني.

وهل يمكن الحديث عن الشأن العربي دون الإشارة إلى حبيس جدة، بعد أن رفضته الدنيا وضاقت به الأرض بما رحبت، زين العابدين، أو نزيل سجن طره، -بعد الانتهاء من إصلاحات مستشفى السجن قرب القاهرة- العم الأكبر مبارك أفندي، ذلك الذي حكم بلاد الكنانة بالحديد والنار لأكثر من ثلاثين عاما أيضا. أللهم لا شماتة فيكم جميعا أيها الحكام القمعيون المستبدون، فالشعوب ذاكرتها قوية ولن تنسى دماء سفكتموها أيها الراحلون غير مأسوف عليكم.

كما لا يمكن الحديث في الشأن العربي دون المرور بالفضاء الأردني، فالشعب الأردني ليس أقل شأنا من غيره من الشعوب التي تنادي بالحرية، والشعب الأردني يريد إصلاح النظام، والشعب الأردني يريد إسقاط رئيس الوزراء معروف البخيت لأنه أشبه ما يكون بالحكام العرب القمعيون المستبدون السابق ذكرهم أو المنتظرون دورهم في الإصلاح الحقيقي أو الرحيل، فالبخيت بوصفه الحكومي يحاول أيضا أن يَتَشَعْبَط.

والشعب الأردني يا سادتي بات يعيش أزمة ثقة حقيقية قوية مع الحكومة العادية الحالية، التي تحاول أن تتشاطر وتشتري الوقت، وتحاول أن تتذاكى أو تدعي أن الأمور في الوطن الأردني "عال العال وتمام التمام"، لكن الواقع يقول غير ذلك، فالاحتقان في الشارع الأردني ربما يزيد عن كل احتقانات الشعوب العربية مجتمعة، ومرد ذلك إلى الفساد المستشري من القاعدة إلى ما قبل رأس الهرم بقليل!!

فكل الحلول المرحلية وكل المماطلات وكل التسويفات، هي غير ذات جدوى، فرئيس الوزراء الأردني يريد أن يثبت لنا أنه يجيد الصعود إلى شجرة المعرفة والقيام بحل الصعاب المُدْلَهِمَّات، لكنه يحاول أن يَتَشَعْيَط "من شَعْبَطَة"، ليتزحلق دون فائدة، فهو يا جماعة ليس رجل المرحلة الدقيقة هذه، لا والله.

يا قوم، أوكلوا الأمير المحبوب الحسن حل المشكلات، ويا قوم استنيروا بأفكار "أبو راشد"، ولكم الجنة.

وبصراحة أكثر، يا رئيس الوزراء في الحكومة العادية، أنت لست تقدر أن تحل أو تربط بشأن توصيات لجنة الحوار، ولست تقدر أن تناقش أو تعترض، على أي قرار يصدر عن اللجنة الملكية بشأن التعديلات الدستورية التي ينادي بها الشعب نداء صادقا صحيحا وهو بكامل قواه العقلية وبكامل إرادته ودون أي مندسين أو أي تأثير خارجي، أو فضائي أو زئبقي أو انبطاحي، فالشعب الأردني الكاظم الغيظ والقابض على الجمر من شتى المنابت والأصول، لا يرضى سوى بالأسرة الهاشمية الطيبة، عائلة مالكة، ولا يرضى بغير القائد المحبوب عبد الله الثاني ملكا، بحكمه الرشيد.

وأما البطانة، فوالله إن القاصي والداني بات يدرك أن ثمة خللا اعتور بعضها على مدار السنوات العشر الماضية، وقد أشار إلى ذلك بعض المصلحين وبعض المنادين بالإصلاح كالأخ ليث شبيلات والأخت توجان فيصل والأخ أحمد عبيدات والأخ ارحيل الغريبة والأخ زكي أبو رشيد وبيان الأفاضل المتقاعدين وآخرون كثيرون بشكل أو بآخر.

فمطالبتنا المُلِحّة الآن بالإصلاح الدستوري والسياسي والقانوني في البلاد في هذه الفترة بالذات هي مطالب عادلة، وهي لصالح الوطن، وهي أبعد ما تكون عن إضعاف الوطن أو المساس بهيبة القائد المحبوب، فذلك ليس في نوايانا نحن المطالبون بالإصلاح مطلقا وأبدا أبدا، فنحن أقرب إلى العرش الهاشمي من رئيس "الديوان الملكي العامر"، السابق أو الراحل أو المخلوع بوصفه الحكومي باسم عوض الله. "يَمْ خِبُط لَزِق جَمّع الملايينن نقدا وأموال منقولة وغير منقولة"، والشعب يتضور جوعا وحرمانا وبؤسا وكيدا وقهرا وصبرا على الفقر وكظما للغيظ وقبضا على الجمر.

في تلك الحقبة، أي حقبة عوض الله، كان الوطن الغالي يمر بمرحلة دقيقة خطرة، لكن "أبو حسين"، بعد الله كان للوطن خادما أمينا، فهذا الشبل "عبد الله"، حفظه الله من ذاك الغضنفر المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال رحمهما الله.

نعم، نقولها بلا خوف أو وجل، إن الفساد يستشري في الوطن الأردني حتى يكاد يتسب له بالانهيار –لا سمح الله- وهنا ينادي الشعب الأردني الصابر والكاظم الغيظ والقابض على الجمر من شتى المنابت والأصول بالإصلاح الحقيقي على مبدأ الملكية الدستورية وممارسة الديمقراطية الحقيقية أسوة بالعالم المتقدم والمتحضر.

 

والشعب يعلنها صراحة أنه "دقت ساعة العمل، دقت ساعة الإصلاح"، ولا وألف لا لعصا البخيت بكل أشكالها، فكل المؤشرات تقول إنه أيضا راحل مع الراحلين، ولو من أجل خاطر الشعب الأردني الذي لا يقبل الضيم أبدا، وإلى الأبد، فالشعب الأردني مخلص للهاشميين لأنه أحبهم، وليس لأنه يخشى سلطانهم، ودونكم الشعوب الثائرة من حولنا!!!!

وعلى مبدأ التخليص، نعود فنقول إن كل من القذافي وصالح والأسد والبخيت، يَتَخَبَّط ويَتَفْعْفَط ويَتَنَطْنَط، ويَتَشَعْبَط على التوالي،أو إن شئتم، يَتَخَبَّطون ويَتَفْعْفَطون ويَتَنَطْنَطون، ويَتَشَعْبَطون،  وكلهم راحل، فمهما تعلموا من بعضهم البعض كيفية تقتيل الشعوب ودك المدن الآمنة، أو ضربهم بالغازات السامة أو عن طريق البلطجية أو البلاطجة أو الشبيحة أو العناصر الأمنية أو الدركية، فهم كلهم إلى زوال، وكلهم راحلون، صدقوني.

*إعلامي، أردني مقيم في دولة قطر.
roaqodah@hotmail.com

رئيس وزراء حكومة الظل الأردنية.