حماية البيئة في الأردن
واجب أم سلافة فارغة
منذ عام 1972 أقرّ العالم ان حماية البيئة من واجب جميع الحكومات في العالم وتطوّرت متطلبات ذلك الإقرار وتوالى إتخاذ القرارات والمعاهدات والإتفاقيات البينية والثنائية والإقليمية والأممية وكانت من أهم تلك الوثائق والفعاليات هي التوعية البيئية للمواطنين عامّة ولأصحاب العلاقة في القطاعات المختلفة .
وفي خلال الأربعة والأربعين عاما الماضية إستطاعت دول كثيرة وخاصة في العالم المتقدِّم تنشئة جيل يعتبر حماية البيئة فرض عين عليه وليس فرض كفاية وترسخت ثقافة حماية البيئة بإعتبارها حماية لشخصه وصحّته وأسرته وحماية لوجوده واستمرار حياته وينموا الطفل على هذه الثقافة وهذه المعتقدات ويزداد إصرارا كلما كبر على الحفاظ عليها وتطويرها بإعتبارها حقّا من حقوقه الإنسانيّة التي يكفلها له الدستور ولا تستطيع حكومته التهاون فيها .
ونحن في الأردن ماذا فعلنا ... للحق فقد عملت الحكومات المتعاقبة على إنجاز الجانب التأسيسي والورقي على الأغلب فعملت على تأسيس دائرة للبيئة في وزارة الشؤون البلدية والقرويّة سابقا في الثمانينات من القرن الماضي واتبعتها بتأسيس المؤسسة العامّة لحماية البيئة عام 1996 وثم تأسيس وزارة مستقلة للبيئة عام 2003 كماتم تشكيل لجان تهتم بالبيئة في بعض الوزارات والدوائر الرسمية ومجلس الأمّة وتم ترخيص العديد من الجمعيات البيئية والمشاركة في العديد من المنظمات البيئية الدولية وغير ذلك من إجراءات على ذاك المستوى .
وعلى المستوى الورقي أصدرت الحكومة الإستراتيجية الوطنيّة لحماية البيئة في الثمانينات من القرن الماضي وبعد ذلك أصدرت الإستراتيجية الوطنية لحماية التنوع الحيوي والإستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر والأجندة 21 لحالة البيئة في الأردن للقرن 21 كما أصدرت الحكومة قانون حماية البيئة عام 1995 وثم عدِّل في 2003 وعدل كذلك في 2006والأنظمة المتعلقة به وهي الآن بصدد تعديل القانون ليواكب الظروف المستجدة وكذلك اصدرت البلاغات الوطنية للإنبعاثات الغازية والتغير المناخي وشاركت في تطبيق بروتوكول حماية طبقة الأوزون ومنع استخدام الغازات الضارة بالبيئة وإستبدالها بغازات رفيقة بالبيئة كما شاركت في تفعيل بروتوكول كيوتو لتخفيف غازات ثاني اكسيد الكربون والغازات النيتروجنية المنبعثة من المصانع ووسائط النقل ومكاب النفايات
كما وقّع الأردن على كافة الإتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الأممية المتعلقة بحماية البيئة والتنوع الحيوي ومكافحة التصحر والجفاف والتغير المناخي والسلامة الإحيائية وهجرة الطيور والحيوانات والمتاجرة بها وغير ذلك من اتفاقيات وتم التصديق على معظمها ودخلت حيِّز التنفيذ منذ سنوات عديدة .
ذلك على المستوى التأسيسي والورقي أما على المستوى التوعوي والتثقيفي والتدريبي والتعليمي فإن الأمر مغاير فلو جمعنا الهبات والمنح التي مُنحت للأردن ونفقات السفر والمياومات التي دفعت للمشاركين والمصاريف التي أنفقت على عقد مؤتمرات وورش عمل وندوات محاضرات لخبراء اجانب في خلال الأربعين سنة الماضية فهي تعد بمئات الملايين من الدنانير سواء من الخزينة اي على حساب المواطنين أم من هبات ومنح حسبت كمساعدات للمواطن الأردني والملايين من ساعات العمل والسهر والسفر فماذا كانت النتيجة ....
لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد وعي بيئي لدى شرائح المجتمع المختلفة كما لم يستطع المسؤولون الحكوميون على مر السنين تكريس مفهوم حماية البيئة كواجب وطني إلزامي على كل مواطن ومقيم على الأرض الأردنيّة لأن الحكومة ومسؤوليها لم تكن القدوة للمواطن لإتباع اساليب وممارسات تصب في هدف حماية البيئة كما أنّه لم تتوفّر الإرادة الحقيقيّة لدى أي من الحكومات المتعاقبة لإعتبار حماية البيئة من الأولويات بل اعتبرت بعض الحكومات ان البيئة ووزارتها حمل زائد ونفقات ليس لها داعي , كما أنّ الحكومات المتعاقبة في الغالب لم تأخذ معايير الكفاءة والإختصاص والمبادرة والإبداع والتميُّز في الأشخاص المتعاملين في البيئة عند إختيارهم للتعيين وإنما كان معيار المحسوبية والمصلحة الشخصيّة هما المعياران الوحيدان للمسؤولين المعيّنين من مستوى وزير وما دون .
وقد انعكست المعايير المعتمدة تلك على الموظفين العاملين في الأجهزة الحكوميّة البيئية فأصبح السفر والمياومات وغيرها من مكاسب كعضويّة اللجان المدفوعة او المشاركة في لجان مدفوعة من الخزينة او الهيئات الدوليّة هي الأهداف التي يسعى الموظفون لتحصيلها والتي تتطلب عادة من الموظّف التملُّق للوزير او الأمين العام او المسؤول عن الدورة او السفرة وابعد ما يكون هدف الموظف عن الإبداع في عمله او مصلحة الوطن من مشاركته .
وبالرغم من وجود بعض الغيورين على البلد وبيئته الآن إلاّ ان صوت هؤلاء وعملهم لا يظهر في خضم الفساد المستشري والأنانيّة المتموضعة في العقول والضمائر .
ويكاد القهر يملئ القلوب عندما يرى الإتسان ممثلي الدول المتقدِّمة في المؤتمرات وورش العمل كيف يكون استعدادهم وغيرتهم على مصالح بلدانهم وكيف يعملون بجد ونشاط مستشعرين ان عملهم فرض عين على كل منهم ولا يسقط إذا احد غيره قام به مع تمسكهم بالعمل الجماعي التعاوني لمصلحة البلد الذي ابتعثه ممثلا أمينا عنه في ذاك الإجتماع او المؤتمر بينما ترى بعض الممثلين العرب وجودهم وعدمه سيّان حيث يعتبرون المشاركة عبارة عن سياحة وتسوُّق ليس إلاّ !!!!
وبالرغم من وجود بعض الجمعيات البيئية النشطة التي تفوق نشاطاتها نشاطات االحكومة ولكن دون ضابطة عدلية او موازنة حكوميّة فإن الحكومة لجأت مشكورة لتأسيس الإدارة الملكيّة لحماية البيئة لتكون الذراع الفاعلة لتطبيق القانون والتعليمات البيئيّة .
ولم تستطع الحكومات المتعاقبة تطبيق القانون والتعليمات على نطاق واسع حتى الآن خاصّة فيما يتعلّق بالإعتداءات على مصادر المياه وحفر الآبار الجوفية والإعتداء على الأراضي الحكومية والحرجية وقطع الأخشاب والأشجار والحرائق والقاء النفايات في الغابات والحدائق العامّة والشواطئ والتهرب من دفع استهلاكات المياه والكهرباء إضافة لإنتهاك قانون السير وغير ذلك من السلوكيات غير البيئية وغير الحضاريّة وتنم عن سوء في التربية البيتية والمدرسية وعدم وجود روادع حكوميّة كظاهرة التدخين في مجلس الأمة ودوائر ترخيص المركبات وغيرها من الدوائر التي يمنع احيانا المراجعين من التدخين فيها بينما تجد الموظفين يدخِّنون بلا حياء أو خجل .
وبينما حماية البيئة واجب في الدول المتقدِّمة نراه عبارة عن سلافة فارغة من أي محتوى حتى الآن في معظم بلادنا العربية .
قيل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم اهدي قومي فأنهم لا يعلمون) .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئية
ambanr@hotmail.com
1/ 3/ 2016