قانون الانتخاب ومشوار العشر سنوات

من المتوقع أن يقرّ مجلس الأعيان اليوم قانون الانتخاب. وبذلك، يكون قد تمّ إقراره من مجلس الأمة. وعلى الرغم من المآخذ على القانون، إلا أنه نجح أخيراً في الابتعاد عن "الصوت الواحد"، ووضع البلاد على طريق طويلة نحو مجلس نيابي قوي وإعادة توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث.

قبل عشر سنوات، أوصت اللجنة السياسية في الأجندة الوطنية باعتماد نظام انتخابي مختلط يبتعد عن "الصوت الواحد"، فقامت الدنيا ولم تقعد.

ونجحت القوى المحافظة في البلاد في تحشيد كل الوسائل المتاحة لها لإسقاط الأجندة بأكملها، وليس قانون الانتخاب المقترح فحسب.

تركت هذه التجربة أثراً كبيراً في نفسي، وقد شهدت بعينَيّ كيف تعمل شخصيات محافظة لنسف كل جهد إصلاحي إن طال مصالحها الخاصة أو اقترب منها. ورأيت كيف تُختزل مصلحة الوطن في مصلحة الشخص.

تشاء الدولة اليوم أن تخطو الخطوة الجادة الأولى في طريق الإصلاح السياسي.

وأزعم أن بعض الخطوات السابقة كانت تجميلية إلى حد كبير.

وليس السبب واضحاً تماماً لماذا قررت الدولة الابتعاد عن "الصوت الواحد"، بل وحشد كل قواها لتمرير القانون من دون أي تعديلات جوهرية.

وقد احتار العديد من القوى فيما إذا كان سبب تعديل القانون هو وجود إرادة سياسية مختلفة هذه المرة، أم أسباب أخرى لا نعرفها.

ليس هذا هو المهم. الأهم أن الخطوة الأولى قد أُنجزت بدفن "الصوت الواحد". وبالرغم من المآخذ الكثيرة التي أراها في القانون؛ من غياب القوائم الوطنية، وضعف التمثيل النسائي، وإبقاء دوائر البدو مغلقة، وطريقة احتساب البواقي، وغياب عتبة مناسبة لدخول البرلمان... وغيرها، إلا أني اليوم أدعم القانون، ليس لمثاليته، بل لأنه يخطو الخطوة الأولى نحو طريق، بت أعرف أنها طويلة جداً، من أجل بناء الدولة المدنية الحداثية التعددية الديمقراطية، بعد أن تخليت عن سذاجتي التي كنت عليها قبل عشر سنوات حين كنت أعتقد أن الإصلاح من الداخل ممكن خلال سنوات قصيرة.

بعد عشر سنوات، يستحق من وقف ضد قانون "الصوت الواحد" أن يحتفل، ولو بصمت؛ لأن ما نادى به واتُهم لأجله، ثبتت صحته اليوم.

ولا بأس أن تقدم قوى الوضع القائم تبريراتها، ولا ضرر إن قالت إن كل شيء في وقته، وإن ما كان تهوراً بالأمس تحول اليوم إلى مصلحة وطنية.

اليوم بداية جديدة، بل محطة أخرى من محطات معركة إصلاحية ستطول حتماً، لكنها بهمة الجيل الجديد قد تؤدي إلى مستقبل لم يستطع جيلنا تقديمه لمجتمعنا ولمجتمع أبنائنا.

ستحتاج القوى الإصلاحية عقودا من الزمن حتى تستطيع وقف هيمنة قوى الوضع القائم. لكنني سأسمح لنفسي اليوم أن أبتسم.