قاموس الأحلام المقموعة / بقلم النائب السابق ريم القاسم

اخبار البلد-خلال المائة يوم الماضية منذ أن أسقط الشارع التونسي رئيس جمهوريتهم، وما أعقب ذلك من انتفاضات لم تستثن بلداً عربياً، فقد استجدّت على قاموس اللغة اليومية مفردات وإيحاءات تصلح لأن تكون دليلاً لقياس وتوصيف التغيير الذي حصل في وجدان هذه الأمة. كاعلاميين، اعتدنا أن نستخدم معيار ال 100 يوم الأولى من عمر الحكومات المتعاقبة وذلك لقياس توجهاتها ودرجة رضا الناس عنها وقناعتهم بقدرتها على تنفيذ ما جاءت لأجله. واليوم نحاول هنا تطبيق هذا المعيار على ما أصبح يعرف ب "ربيع الثورات العربية". نستخدم معيار المائة يوم ليس لقياس الانجاز السياسي فهو هائل ولا يزال يتراكم، ولكن لقياس ما يسميه علماء النفس ب اللاشعور الجمعي الذي يحرك الناس ويعطي لتصرفاتهم وأمزجتهم وزنها النوعي. فقد امتلأ الفضاء العربي خلال المائة يوم الماضية بمفردات جديدة أصبحت جزءاً من لغة الناس وثقافتهم اليومية وحتى شتائمهم التي يقول العلم أنها- أي الشتائم- تخفف الألم. بعض هذه التعابير الجديدة مثل "زنقة القذافي" اندرج في الكاركاتيرات وفي كلام الأطفال وأصبح علامة تجارية لبعض المأكولات والملابس النسائية. أما بعضها الآخر مثل "الشعب يريد إسقاط النظام" فقد أخذ طريقه نشيداً أو أغنية لحنها اليمنيون ويرددونها في الساحات العامة للمظاهرات. كما تحولت هذه الجملة إلى متنفس في جوانب عديدة من مشاكل الناس اليومية بما في ذلك النساء اللواتي يراودهن هاجس الخلع، أو الطلاب الذين يريدون إسقاط مدير مدرستهم. رسام الكاريكاتير المبدع عماد حجاج "أبو محجوب" كان من أفضل نظرائه في العالم العربي باستخدام هذه التعابير الجديدة التي أصبح يتشكل منها القاموس اليومي لأحلام الناس الممنوعة. وآخر ما رأيته له قبل يومين، كاريكاتيره الذي يستخدم فيه تعبير "لقد هرمنا بانتظار هذه اللحظة التاريخية"، وهي الجملة التي قالها رجل تونسي وهو يشهد ما صنعه ابناؤه واشقاؤه الشباب من تغييرات كانت تبدو مستحيلة. مثلها مثل الجملة التي ما زالت بعض الفضائيات ترددها لشاب تونسي أذهله الذي حصل فلم يتمالك إلا أن يدور حول نفسه وهو يردد "بن علي هرب. بن علي هرب"، جملة أضحت بعد ذلك جزءاً من قاموس المصريين الذين خرجوا يطالبون بنفس الشيء، ويرفضون لمبارك إلا أن يقول ما قاله بن علي من قبل:"الآن فهمتكم". يقولها بندم عندما لا ينفع الندم. من الآن وحتى استكمل رصد المفردات الجديدة التي دخلت على لغة الناس منذ بداية السنة لأنشرها في كتاب، فأنني سأظل ابحث عن أجوبة لسؤالين، طرحتهما على اثنين من اساتذة علم النفس في الجامعة الأردنية ولم اقتنع بما سمعته منهما. الأول: ما هو السر الايحاءي في كلمة "زنقة زنقة" التي تحولت في المشرق العربي إلى دندنة جماهيرية؟ لم يحصل ذلك في المغرب العربي لأن كلمة زنقة لا تحمل عندهم أي معنى آخر غير معنى الطريق الضيقة المتفرعة من الحارة. ليس في الكلمة أية ايحاءات كالتي عند أهل المشرق. السؤال الثاني سآخذ جوابه من أحد القضاة. فحتى الآن ما زالت قوانين كل الدول العربية تجرّم مَن يُتهم بالمشاركة في تنظيم لقلب نظام الحكم، وقد يصل العقاب حد المؤبد أو الاعدام. لكن بعد أن أصبح "الشعب يريد إسقاط النظام" شعاراً مرفوعاً بدون توجس، فكيف سيتصرف قاضي المحكمة بمجموعة شباب متهمين بالمحاولة الانقلابية؟ هل سيعتبرها جريمة كبرى أم يتصرف على أساس أنها خرجت من قانون العقوبات وأصبحت نشيداً يفصل بين فقرات البرامج التلفزيونية؟