قانون الانتخاب وشهادات حسن السلوك

بسرعة مذهلة أقر مجلس النواب قانون الانتخاب، كنت أشعر أنهم يسابقون الزمن لإنجازه، وأن هناك من يحثهم لإقراره، وبصراحة هذا الإحساس جعلني أكثر قلقاً وأقل تقبلا للقانون.
لا نجادل بأن قانون الانتخاب الذي قدمته الحكومة وروّجته وأقره مجلس النواب بتعديلات طفيفة جداً أفضل بكثير من قانون الصوت الواحد، ويعتبر خطوة على طريق الإصلاح، وربما يسهم ولو قليلاً في تغيير المشهد السياسي، ولكنه في ذات الوقت ليس القانون الأفضل وكان يمكن تجويده لولا إصرار وتعنت حكومي وضغط على البرلمان أن لا يتغير حرف في القانون وكأنه نص "مقدس".
في ملتقى "الإعلام والانتخابات" قبل مباشرة البرلمان بمناقشة القانون دعا النائب جميل النمري قوى المجتمع المدني للاستنفار للضغط على النواب لإنجاز تعديلات ضرورية لتعظيم فائدة القانون في مسيرة الإصلاح، وحذّر من رغبة جامحة لدى الحكومة والأغلبية البرلمانية بتمرير القانون كما هو دون تعديلات، أما الإعلامي عريب الرنتاوي فأكد أن أحداً لن يصدّق بعد اليوم الدعوات لحوارات وطنية في الأردن، مشيراً إلى مئات اللقاءات وورش العمل التي عقدتها اللجنة القانونية السابقة في البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني لمناقشة مشروع القانون، وقدمت مئات المقترحات ولم يأخذوا منها شيئاً، فمن سيثق ويقبل بعد ذلك حديث المشاورات الوطنية.
أستغرب شخصيا أن تضع الحكومة قدميها بالحائط وترفض مبدأ إحداث تعديلات توافقية مثل إدخال "عتبة" للأصوات، أو المزج بين القائمة النسبية والقائمة الوطنية، أو المطالبة بمقعد لامرأة في كل دائرة انتخابية، ماذا سيضير الحكومة لو تقبلت توجهات كانت تحظى باصطفاف شعبي خلفها، هل ما تزال الدولة تتخوف من سيطرة أو دخول "الإخوان المسلمين" على مسار الانتخابات فتستحوذ على مقاعدها أو تؤثّر بها بشكل كبير، أم أنها لا تريد المجازفة وتريد أن تبقى قادرة على ضبط المشهد حسب أجندتها ورؤيتها؟!
تعرف الدولة بوضوح أن "الإخوان المسلمين" بأضعف حالاتهم الآن، فهم منقسمون ومشتتون، وبالتأكيد لن يقلبوا طاولة التوقعات في الانتخابات البرلمانية القادمة، فهم في عزّ قوتهم كانت الحكومة وأجهزتها قادرة على ملاعبتهم واحتوائهم والتقليل من تأثيرهم، فكيف الحال الآن وهم يتنازعون بينهم على الشرعية والوجود؟
وبالتأكيد خارج مظلة "الإخوان المسلمين" لا توجد أحزاب قادرة على الاستحواذ على أغلبية أو حضور مؤثر مهما كان القانون، ومهما أدخلت تعديلات إصلاحية جوهرية، وما عدا ذلك شخصيات سياسية ومجتمعية معظمها يتسم خطابها بالاعتدال والعقلانية، فممن تخاف الدولة في الانتخابات حتى تظل تضع كل هذه الحسابات، فأكثر "الصقور" تشدداً لا يستطيع تحت القبة أن يغير أو يقلب الموازين حين تكون الغالبية على النقيض والضد منه؟
دوائر صنع القرار حتى الآن يؤمنون بالتدرج وبخطوات محسوبة دون مجازفة، ويرون أن هذا أفضل ما يمكن تقديمه في ظل المعطيات الداخلية والإقليمية، ومن المعروف أن هناك من يتذرع بالحرائق المندلعة في الجوار حولنا ليقلل من أهمية الإصلاح السياسي الآن، وبضرورة حشد كل القوى نحو تعزيز منظومة الأمن حتى ولو كانت تجرح منظومة حقوق الإنسان.
أقر مجلس النواب قانون الانتخاب دون أن يصغي لأصوات مختلفة، ولم يعترض حتى على مصادرة حق التجمع والاحتجاج السلمي على أبوابه، فقد بدأ ماراثون الانتخابات القادمة، والكثيرون يتسابقون لانتزاع شهادة "حسن سلوك" لعلهم يعودون إلى قبة البرلمان مرة أخرى.