الإنترنت والاحتيال

في بدايات ظهور التواصل عبر الإنترنت اتّصل بي أحد أصدقائي وقال لي: أريدك في أمر خاصّ جداً وأريده أن يبقى سرّاً؛ فلّما التقيت به على وجه السرعة، قال لي: لقد جاءتني رسالة عبر الإنترنت بالبريد الإلكتروني من شخصٍ لا أدري كيف عرف عنواني يقترح عليّ أن يرسل لي مبلغاً كبيراً جدّاً من المال لكي أشترك معه مناصفة في مشروع استثماري في الأردنّ. ثمّ مدّ يده إلى جيبه وأخرج صورة عن الرسالة التي نسخها عن جهاز الحاسوب الخاصّ به، وتابع قائلاً إنّهم يطلبون منّي ثلاثة آلاف دولار رسوم تحويل المبلغ إلى حسابي. فسألته في الحال: هل تعرف من أرسل لك هذه الرسالة؟ فأجاب بالنفي. فقلت له: أقترح عليك أن تمزّقها وتنسى أمرها، فهي محاولة احتيال وإياك أن تستجيب لها. واستطعت بعد نقاش طويل أن أقنعه بنسيان أمرها.

وبالفعل أصبحت مثل هذه الرسالة شكلاً مألوفاً من أشكال محاولات الاحتيال، ولا أظنّ أن أحداً من القرّاء لم تصله رسالة بل عشرات الرسائل عبر البريد الإلكتروني من أناس يدّعون أنّهم مديرو مصارف عالمية أو ورثة زعماء وقادة وغيرهم، يزعمون امتلاكهم ثروات هائلة ويريدون تحويلها خارج أوطانهم.

ومن أكاذيب هؤلاء المحتالين أن يرسلوا إليك عبر البريد الإلكتروني رسائل موقعة من أصدقائك، بعد سرقة حساباتهم الإلكترونية، تخبرك أنهم في مطار بلدٍ ما وأنّهم في ورطة بعد أن تعرّضوا للسرقة ولم يبق معهم من المال ما يغطي تكاليف عودتهم لبلدهم أو ما يدفعون به أجرة الفندق، ويطلبون منك مساعدة مالية عاجلة ترسلها إلى أرقام حساباتهم.

ومن آخر صرعات هؤلاء المحتالين أن يرسلوا لبعض المسؤولين في الجامعات أنهم على استعداد لتمويل مشاريع علميّة أو مؤتمرات داخل الجامعة لكن شرط أن تحوّل الجامعة لهم رسوم تحويل الدعم.

ومن آخر صرعات الاحتيال أيضاً الإعلان عن مؤتمرات علميّة تعقد في هذا البلد أو ذاك في مجالات الاقتصاد والسياسة والآداب و التربية وسواها، ويشتمل الإعلان على تفاصيل كاملة عن المؤتمر لكنها كلّها وهميّة، وتشترط على من يرغب في المشاركة أن يحوّل رسوم المشاركة على حساب رقم كذا. وأحياناً يلجا هؤلاء المحتالون إلى انتحال اسم جامعة مشهورة أو مؤسسة عالمية ممّا يسهّل عليهم توريط الراغبين في المشاركة والإيقاع بهم.

إنّ أهمّ قاعدة ينبغي الاعتماد عليها عند تلقي أيّ عرضٍ من هذه العروض هي ضرورة التأكد من أنّ بين المتلقي ومصدر الرسالة علاقة ما أو معرفة سابقة، فإن لم تكن ثمّة علاقة فلا بدّ من الشكّ بالهدف من الرسالة. والقاعدة الثانية الأهمّ هي الاقتناع التامّ أنّ لا شيء يأتيك مجّاناً دون أيّ مقابل أو جهد، وأنّ ما عدا ذلك هو محض خيال وأوهام أو حبائل احتيال، فمن التزم بهاتين القاعدتين أمن الوقوع في مصائب هؤلاء المحتالين.