الإسلام والدولة المدنية

يقول الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن مبدأ دينية الدولة ليس من الإسلام وإن الظلم وإضاعة حقوق الناس يجيزان للشعوب الخروج على حكامها، لأن تحقيق الحرية مقدم على تطبيق الشرع في الإسلام !

والحقيقة أن ثمة من «الإسلامويين» والمسلمين من ينادي بدولة دينية ثيوقراطية، يمثل فيها الحاكم أو ولي الأمر سلطة الله، فيتصرف وفق تفويض من السماء، والسماء بريئة منه، ويرتكب باسم الله مظالم لا قبل لمنصف عادل بها.. لقد ازدادت قناعة يوما بعد يوم، أن الأصلح لهذه الأمة دولة مدنية عصرية، لا تستدعي أي شكل من أشكال الدول التي تزيت بزي الإسلام، وحكمت باسمه، فكانت أنموذجا للقمع والترويع، والتسلط، ومجانبة حقوق الإنسان المستقرة في التشريعات المختلفة، وهذا الكلام ليس بدعة من عندي، فالإسلام كما يقول الباحث الدكتور محمد محمود منصور، لم يحدِّد شكلاً مُعَيَّنًا تفصيليًّا للدولة؛ بل وضعَ قواعد عامة لكيفية إدارة الدولة ومؤسساتها، ثم ترك تفاصيلها لأهل الخبرة والتخصص والقوانين واللوائح، ولهذا فالدولة في الإسلام ليست دولة دينية – ثيوقراطية، يحكمها حاكم شرعيّ يعتبر نفسه نائبًا عن الله جلَّ وعلا، لا تجوز مراجعته أو معارضته؛ بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته وهو مؤسس أول دولة في التاريخ الإسلامي لم يفعله، بل أكدّ ربه عكسه على لسانه بقوله تعالي: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، وزاده تأكيدًا أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول خطبة له بعد اختياره من المسلمين حين قال: لقد وُلّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني.. .. بل إن الحاكم أجير عند الشعب الذي يختاره، كما يُفهم ضمنًا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المعروف: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، فهو راعٍ وخادمٍ لهم، أجير عندهم، مسؤول منهم وعنهم.. فمن أين جاءت فكرة الدولة الدينية؟ وهي نموذج لفظته أوروبا بعد أن أمسكت الكنيسة بخناق المجتمع، وها بيننا من يريد أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء فيحكمنا باسم الله!

إنه كهنوت جديد، يلبس لباس الإسلام.

الدولة في الإسلام، مدنية بكل معانيها، دائمة التطوّر والتجديد والتحديث..

البعض يعتقد أن الصدام قادم (بل هو قائم الآن، ولو بشكل جزئي!) بين أجنحة الفهم الإسلامي المختلفة من الجماعات الإسلامية المعاصرة، وأنا من هذا البعض، لكن الغلبة ستكون للاعتدال والوسطية، وستختفي التيارات الموغلة بالشطط، عند أول تطبيق خاطىء لفهمها، وليس بعيدا أن نشهد اصطفافا وشيكا للقوى المعتدلة، إسلامية كانت أو علمانية، تستقوي بوسطية الإسلام على أي شطط!

ويستوقفني هنا ما يقوله الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق في مصر، حيث يؤكد على عدم وجود خلاف بين الإسلام والعلمانية، بممفهومها العلمي، قائلا ان الإسلام دين علماني والعلمانية لا تعني الكفر والإلحاد ولكنها هي الأخذ بأسباب العلم والإسلام دين قائم على العلم والنور وليس دين ظلام، وقد يعتبر البعض مثل هذا الكلام صادما بعض الشيء، ومرفوضا منذ اللحظة الأولى، لكنه كلام على جانب كبير من الأهمية، ويحتاج لنظر عميق قبل «تجريمه»!