الفكر السياسي والعمل الوطني في التجربة النضالية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
في ذكرى انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين 47، هذا الفصيل الوطني المخلص لوطنيته وعروبته، يمكن لنا الوقف على التجربة النضالية والفكر السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في محالة متواضعة لتوضيح أهم المواقف الفكرية والسياسية في التجربة النضالية الغنية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها السابعة والأربعون.
في البداية يمكن القول أن ولادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تبلورت, كما العديد من فصائل اليسار العربي الأخرى، كنتاج للأزمة العميقة التي عانت منها الحركة القومية العربية والتي بدأت معالمها تظهر على السطح مع مطلع الستينيات، هذه الأزمة كانت تعبيراً عن عجز النخب البرجوازية الوطنية، على توفير متطلبات النجاح لمشروع النهضوي الوحدوي القومي العربي، وعن التقدم نحو طموحاتها المعلنة في الفكاك من قيود التبعية والتخلف، واستكمال مهام التحرر الوطني والوحدة القومية والتقدم الاجتماعي.
وعرفت الجبهة نفسها بأنها، حزب ديمقراطي ثوري، وهي اتحاد اختياري للكوادر الطليعة رجالاً ونساءً، من العمال والفلاحين، والمثقفين ،وسائر الكادحين من أجل التحرير الوطني لشعب فلسطين، ومستقبله الاشتراكي، مسترشدة بالماركسية – اللينينية كمنهج علمي لتحليل الواقع الاجتماعي، ودليل للعمل من أجل تغيره، وتعتبر الجبهة الديمقراطية التنظيم حلقة وصل بين النظرية والممارسة، وبين البرنامج السياسي والتنفيذ العملي لهذا النضال، لذلك كانت الجبهة حريصة على تنظيمها الداخلي، وتعزيز الديمقراطية بداخله. وقد ارتبطت انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في 22/2/1969م، بالتحولات اليسارية التي شاهدتها مجموع الحركة القومية بمكوناتها المختلفة الناصرية والبعثية، بما فيها حركة القوميين العرب، والصراع الفكري والسياسي الذي احتدم بين مختلف أجنحتها في جميع بلدان المشرق العربي، ومن جهة أخرى ارتبطت انطلاقة الجبهة الديمقراطية بالتقرير السياسي الأساسي الصادر عن مؤتمر آب/اغسطس 1968 م، للجبهة الشعبية، حيث يعتبر هذا التقرير الذي قدمه نايف حواتمة الأساس الذي بنيت عليه الجبهة الديمقراطية فكرها السياسي.
لذلك طرحت الجبهة الديمقراطية نفسها على أنها تمثل اليسار العربي الجديد, ونهجا ثورياً أكثر جذرية في معالجة الوضع العربي عموماً والفلسطيني خاصة، وطرحت أيضا موقفاً متميزاً في رؤيتها لهزيمة حزيران 1967م، معتبرة أن هذه الهزيمة ليست هزيمة عسكرية فحسب, بل أنها هزيمة لمجموع التكوين الطبقي والاقتصادي والعسكري والإيديولوجي لحركة التحرر الوطني العربية والفلسطينية.
وتبنت الجبهة الديمقراطية شعار" دولة فلسطين الديمقراطية " كحل ديمقراطي " للمسألة الفلسطينية والمسألة الإسرائيلية " الذي يقوم على ركيزة إزالة الكيان الصهيوني ممثلا بكافة مؤسسات الدولة الاسرائيلية. واعتبرت الديمقراطية أن حرب الشعب ليست مسألة تكتيك عسكري فقط، وإنها هي بالدرجة الأولي مسألة تعبئة سياسية لجماهير الشعب بكافة طبقاته الوطنية، لأنه الجماهير تنتفض عفوياً ضد أعدائها، ومهمة القوى الثورية هي تنظيم التمرد العفوي، وأن عملية التنظيم هذه تتضمن تشخيص المصالح الوطنية المباشرة للجماهير وربطها بالأهداف الاستراتيجية البعيدة الأمد. واعتبرت الديمقراطية الكفاح المسلح هو أحد ابرز أشكال النضال الوطني الفلسطيني ، والذي يستند إلي حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد، واعتبرت أن التناقض الرئيسي مع الاحتلال الإسرائيلي والامبريالية العالمية، لذلك سعت إلي أن تقود الثورة الفلسطينية الطبقة العاملة، بهدف إقامة دولة ديمقراطية اشتراكية على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
ورفضت الجبهة خط العلميات بالخارج وقالت إن بعض فصائل المقاومة تلجأ إلي حل " ذاتي وإرهابي " لمسالة ضرورة توسيع جبهة الصدام مع العدو ومعبرة عن ذلك بشعار " ملاحقة العدو في كل مكان وضرب المصالح الاستعمارية في الوطن العربي " ووضعت هذا الشعار موضع الممارسة بشن سلسة من الهجمات "الإرهابية " على الطائرات والمؤسسات الإسرائيلية في الخارج، واعتبرت أن هذا الخط من العمليات الخارجية لا يؤثر جدياً على اقتصاد العدو، وإنما يعطي مبرراً للدعاية الصهيونية وفرصة لتصوير الفدائيين بأنهم جماعة من القتلة المجرمين، ودعت إلي تركيز المقاومة وفق منطق العمل الجماعي وليس الفردي.
لذلك فأن دراسة الفكر السياسي والتجربة النضالية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين غنية بالمواقف الوطنية والفكرية والسياسية، وفي ضوء ما تقدم، أستطيع القول بعد دراسة الفكر السياسي والتجربة النضالية للجبهة الديمقراطية، أنها امتازت بالموقف السياسية والنضالية التالية:
1. تميزت الجبهة الديمقراطية بطرح الافكار السياسية التي رسمت التوجهات السياسية المستقبلية للحالة الفلسطينية ، بداية من الدولة الديمقراطية ومرورا بالبرنامج المرحلي، واعلان الاستقلال عام1988.
2. طالبت الجبهة الديمقراطية بالمزاوجة بين العمل السياسي والعمل العسكري. وقدمت الحلول السياسية على الحلول الأخرى، حيث ناضلت الجبهة الديمقراطية من أجل اعتماد كافة أشكال النضال، سواء منها السياسي والجماهيري والاقتصادي بالإضافة إلي الكفاح المسلح الذي اعتبرته الجبهة الديمقراطية لوحدة غير قادر على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
3. اتسمت الجبهة الديمقراطية بالنظرة المستقبلية والفهم العميق لطبيعة المتغيرات الدولية الإقليمية ومدى تأثيرها على الساحة الفلسطينية. لذلك طرحت البرنامج المرحلي عقب التطورات السياسية والاستراتيجية التي تمخضت عنها حرب أكتوبر1973، والتي اعتبرت حرب تحريك وليس تحرير.
4. تميزت الجبهة على الدوام بمواقفها الثابتة في الدفاع عن المشروع الوطني والثوابت الفلسطينية ، في مواجهة محاولات بعض القوي المحلية والعربية من النيل من منظمة التحرير والمشروع الوطني.
5. ساهمت الديمقراطية بدور فعال في الحوار والنقاش الوطني خلال جلسات المجلس الوطني، ولعبت دور مهم في المساهمة في خروج عدد كبير من القرارات المصيرية التي رسمت ملامح المراحل المختلفة لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني.
6. لم تغادر الجبهة الديمقراطية مؤسسات منظمة التحرير أبداً منذ دخولها في صفوف المنظمة عقب نشأتها 1969 وحتي اليوم، وساهمت في الدفاع عن المنظمة أمام محاولات بعض القوى المحلية العربية لخلق كيانات بديلة مستغلة حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية.
7. عملت الجبهة الدمقراطية على تقريب وجهات النظر خاصة عقب التوقيع على اتفاق أوسلو، بهدف تجاوز التبعات السلبية للاتفاق، من خلال طرح آلية الحوار الوطني بين فصائل العمل الوطني والاسلامي لتجاوز سلبيات المرحلة.
8. عملت الجبهة الديمقراطية منذ حدوث الانقسام على التحذير من مخاطر الانقسام السياسي والجغرافي في الساحة الفلسطينية، وأكدت على الحوار الوطني الشامل كمخرج من أزمة الانقسام الفلسطيني.
فكل التحية والتقدير لتجربة الرفاق النضالية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها 47.