السيد علي أبو الراغب رئيس الوزراء الأسبق واقتراحاته الخطيرة

أذكرُ عندما كنا في المجلس النيابي الرابع عشر، أنْ ضمتنا يوماً جلسة مشتركة مع الأعيان تحت القبة. وبعد أن دخلتُ القاعة وأخذتُ مجلسي، وإذْ بدولة رئيس الوزراء علي أبو الراغب وكانت وزارته يوم ذاك قد دالت وأصبح عيناً، يمسك من خلفي بكتفي ويداعبني بقـــــوله: لماذا لا تردُّ علينا السلام يا أخانا، فلقد (ذبحتنا) بملاحظاتــــــــك وأقوالك ونحن في الوزارة، فقلتُ له: واللهِ لم أنتبه فأراك، وإلا كنتُ ألقيت عليك السلام وبكل تأكيد. أما بالنسبة لملاحـــــــــظاتي التي تشير إليها، فهل تظن أنه قليلٌ ما عملته في وزارتك من تجاوزات؟! وانتهى الأمر بمداعبة كما بدأ بمداعبــــــــة.


أقول هذا وأنا أقرأ في الصحف المحلية كالدستور والسبيل يوم الأحد (14/2/2016م) أن ندوة اقتصادية عقدتها جمعية الشفافية الأردنية، بعنوان (الاستثمار – فرص وتحديات)، قال فيها السيد أبو الراغب من ضمن ما قال، مقترحاً –تشجيعاً للاستثمار في الأردن– (بالسماح للمواطنين الإيرانيين بالقدوم للأردن للسياحة الدينية ضمن منظومة أمنية متفق عليها، والسماح بترخيص كازنيوهات في العقبة والبحر الميت وغيرها وعدم السماح للأردنيين بارتياد هذه الكازينوهات وبأسلوب مشابه لدول شقيقة قامت وتقوم بذلك بنجاح).

وإذا كنت قد قلت للسيد أبو الراغب يوم جلستنا المشتركة تلك، ما قلتُ من أن حكـــــــومته قد وقـــــــع منها الكثير من التجاوزات مما قد يؤخذ عليها في أمور عديدة تتعــــــــلق بمصالح الوطن والمواطنين دوّنتها محاضر الجلــــــــــــسات آنذاك، ونُشرت تباعاً في المجلة الرسمية، فهل فيما فاه به في تلك الندوة مما ذكرته قبل قليل ما يؤكد ما كنت قلته له بحقٍّ، في جلستنا السابقة تلك من التعــــــدي على الحقوق العامة للشعب والبلد من نواحٍ عديدة، وأنني لم أكن في ذلك بتاتاً متجاوزاً الحدود، أو قافزاً فوق السدود؟!

يشتمل حديث السيد أبو الراغب في تلك الندوة على كلام كثير، أخطر ما فيه ما أشرت إليه من أنه يدعو لإقامة كازينو لغير الأردنيين في البحر الميت والعقبة، والسماح للإيرانيين بالسياحة الدينية في الأردن. وهو في هذين المقترحين خاصة كمن يفتح الباب على مصراعيه لدخول الرياح السامّة إلى جسم الشعب وروحه، وينادي على الشرور بالمزاد العلني. وبالتالي يدعو وبكل تأكيد إلى تشجيع الفوضى الأمنية، ولاسيما في بلد كالأردن يعيش منذ زمان بستر الله أمنياً ومذهبياً واجتماعياً !!

ومعلوم أن ما دعا إلى إقامة هذه النـــــــــدوة، ما نحن فيه من تدهور على مستويات عدة ومنها الاقتصاد، نريد أن نعالجه ونتلافى أسبابه. غير أنني أقول للسيد (الرئيس): إن من القواعد البديهية أن الغلط لا يُعالج بالغلط، والفساد لا يُداوى بالفساد، كما أنه في منطق الإصلاح لا تقابل السيئة بالسيئة، وخاصة إذا كان هذا النهج يصادم عقيدة الأمة وأخلاقها، لأنه في النهاية مما يستجلب غضب الرب، ويستدر سخط الأمة، ويُخبِّث النفوس مما تتحول معه البرك النقية إلى آسنة، والوسط الآمن إلى محبط.

إنّ الكازينو المقترح إقامته بنية جلب المنافع ورفع المستوى الاقتصادي، لا يعني إلا أننا ننشئ بإرادتنا رِيعاً للمساخر ونادياً للقمار ومسرحاً للهو والعبث وماخوراً لمعاقرة الصهباء وانتهاك الحرمات. ولا يُخفّف من خطورة ذلك أنه لغير الأردنيين، فإن ألســـــــنة اللـــهب في البــــيت المجاور ستطالك بكل تأكيد ولن يحـــــــدها عنك جـــــــدار أو أنك لست في العمارة نفســــــها. وهو من أكبر الكـــــبائر، إذ عنده يصدق علينا قوله تعــــــــــالى: (ألم ترَ إلى الذينَ بدّلُوا نِعمةَ اللهِ كُفَراً، وأحلُّوا قومهم دارَ البــــــَوارِ، جهنَّمَ يصلَوْنها).

ومما يستدعي الضحك هنا وهو ضحك كالبكا كما يقول المتنبي، ويزيد الأمر عاقبة سوء، أن هذا المقترح الآثم يُقدّم أسلوباً للنهوض بالاقتصاد في جمعية يُطلق عليها جمعية الشفافية التي يُوحي اسمها بالطهارة والنقاء، وإذا بها مكان للدعوة إلى الخنا والفاحشة. وأين – ويا للشناعة -؟! في مكانين غضب الله فيهما على أهلهما. الأول بحيرة لوط التي عاقب أهلها بالخسف. والثاني في البحر الأحمر (العقبة) بحر أهل السبت من اليهود الذين عاقبهم لتحايلهم على أمره في هذا اليوم فمسخهم قردة وخنازير. فهل يريد السيد (الرئيس) أن يُنزل الله بنا مثلما أنزل بتلك الأقوام؟!

أو لا يعلم السيد الرئيس وهو يحاضر تحت عنوان الاستثمار طرق وتحديات، مقترِحاً أساليب النهوض باقتصاد البلد المتدهور، راداً على التحديات التي تسببت بحاله البئيسة هذه، أن الله تعالى من فوق سبع سماوات قد تحدى الذين أعرضوا عن شرعه ودعوا إلى مناكفة تعاليمه بأسلوب تتزلزل منه الجبال، في قوله سبحـــــــانه: (ومنْ أعرضَ عن ذِكرِي فإنَّ لهُ معيشةً ضَنكاً، ونحشرهُ يومَ القِيامَةِ أعمَى، قال: ربِّ لِمَ حشرتَنِي أعمَى وقد كُنْتُ بَصِيراً، قال: كذلك أتْتكَ آياتُنا فنسيتَها، وكذلك اليومَ تُنْسَى). أولا يعلم وهو المسلم أن السحت وهو المال الحرام يُمحق هو وأهله؟!

أما مقترحه الآخر للارتقاء باقتصادنا المتمثل بفتح أبواب الأردن للإيرانيين على سبيل السياحة الدينية، فأقول له: إنّ هذا المقترح جدُّ خطير ولعله أخطر من سابقه، لأن ذلك يعني أنْ تُشرّع أبواب البلد لأناس لا يأتون إليه بقصد التفرّج على آثاره أو التمتع برؤية معالمه الدينية، بل يأتون وهم يحملون في أنفسهـــــــم أفـــــــكاراً طائفية مقيتة، يعزمون على نشرها ليبعثوا بها من جديد إحَناً وأحقاداً بين أبناء الأمة الواحدة، تكفّل الزمان باندثارها مما يثير في البلد الفِتَن والصراعات، إلى ما يرتكبون كذلك في معالمنا الدينية، ولاسيما عند أضرحة الصحابة في المزار الجنوبي من مخرقات فعلية وترهات قولية تلفظها مبادئ الإسلام الحنيف جملة وتفصيلاً.

هذا إلى الخروج هناك في مسيرات عاشورية يلطمون فيها الخدود، ويخمشون الوجوه ويدعون بالويل والثبور، ويستدعون ثارات قديمة أكل الدهر عليها وشرب، وخاصة إذا خلا لهم الجو ودعوا العامة إلى مذاهبهم البغيضة وأردفوا الأقوال بالأموال وهي عندهم كثيرة ورخيصة في سبيل نشر مفاسدهم. وبذلك يتحول البلد إلى فوضى لا يعود الأمن يسيطر عليهـــــــا، وخاصة أنهم مدعومون بدول تُنفق عليهم بسخاء، لإيجاد موضع قدم فتنة في بلادنا، بإنشاء مراكز لها مما يسمونه بالحسينياتٍ التي هي أشبه بمساجد الضرار منها بالمساجد الحقيقية.

لكل هذا أهيب بالسيد أبو الراغب رئيس الوزراء الأسبق أن يُراجع نفسه في هذه الأفكار المتعجلة وتلك المقترحات المتسرعة، ويذكر –وهو صاحب الشركات الواسعة، ورجل الأعمال المعروف– أنه بأمر الله وحلاله وحده، تُنمّى الأموال وبغير ذلك تفسد وتكسد. وليــــــعلم هو وغيـــــــره أنني وأمـــــــثالي لا نذهب ما نذهب إليه إلا حبّاً ببلدنا وأهــــــله ورغـــــبة منا في الحفاظ على أمنه واستـــــــقراره، أن تنتشر فيه الموبقات المهلكة، وتعبث به الطائفــــــيات المزعزعة التي تفعل فيه فعل الأوبئة كما هو مشاهد في الدول المجاورة، أعاذنا الله منها وحمانا من شرورها.

وفي الختام أقول للسيد أبو الراغب وغيره ممن يشتغلون بالاقتصاد ويتخوفون عليه من مزيد التدهور والانحطاط: إنه بمـــــثل هذه المقترحات عيـــــــنها يتــــــضاعف تدهوره، وتتفــــــاقم اضطراباته، لأنها تبحث عن المال السحت، وليقرأ هو وغيره وهم يخشون الفاقــــــــــة فيقترحون لعلاجها بإقامة المنشآت الحرام والأخذ بأساليب الآثام، قوله سبحانه: (وإن خِفتُمْ عَيْلَةً، فسوفَ يُغنِيكم الله من فضلِهِ إنْ شاء إنَّ الله عليمٌ حكيمٌ). حفظ الله بلدنا من كل سوء، وعصمها من كل فتنة.