تقاسيم (وزير متفرغ... لمنصة «تويتر»)

أقف ضد أن يحضر مسؤول حكومي بمرتبة وزير في منصة «تويتر»، وأعرف أن كثيراً من المتعاطين مع الشأن المحلي سيتهمني بالرجعية والعودة للوراء، وخصوصاً من الجيل المندفع بقوة مع وسائل التواصل، والمؤمن أنها انعكاس حقيقي لرقي مجتمع وتفاعل مسؤول، وكونها مكاناً مناسباً ملائماً للكثير من الشفافية المنتظرة والمحاسبة الصريحة العلنية، الرفض التام سأسوق مبرراته ومن اللازم أن أؤكد بأن الرفض مستمر، حتى وإن كان هذا الحضور بفريق عمل مؤهل للتعاطي مع هذا الانفلات الإلكتروني. مثل هذه الوسيلة ذائعة الشهرة تعتمد على السرعة والتفاعل الآني مع أي حدث وتساؤل وتذمر، وإن لم تولد هذه السرعة فإن حجم النقد والسخرية والغضب الشعبي المتدرج سيصب على الوزارة ومن فيها، بحجة أن ثمة رسالة غير معلومة الدقة وجهت في لحظة ما ولم تجد أذناً صاغية أو إجابة طازجة ستكون في حال إخراجها لميدان العرض والقراءة قابلة لمشاريع أخرى من التهكم والتسويق أو المدح والذم، وزارات الدولة الخدمية لديها نافذات للمحاسبة والمساءلة متعددة، وأغلبها غير قادر بحق على التفرغ لوسيلة تواصل اجتماعية يرتادها العقلاء وخلافهم والمأزومون أو المخلصون أو الفرحون أو الفارغون، فضلاً عن أن الوعي العام لا يزال يسافر برفقة بعض النصوص الخاطفة ويستدرجها بذكاء في مواجهة حدث حاضر، وإن ظن وزير أن «تويتر» سيقدم حقيبته الوزارية ومن تضمه من المسؤوليات والمهمات لمنصة التتويج، فهذا ظن ليس مركوناً ولا مركولاً الآن، لكنه مؤجل حتى تصبح هذه الوسيلة آمنة وبعيدة عن الأسماء المستعارة وهواة التصنيف والتأزيم وتتبع العثرات وتصفية الحسابات.

 

 

أن يحضر الوزير بحساب لا يمس كيانه وكرسيه الأثير المثير فذاك شأن شخصي بحت، وأعانه الرب على الذين نصبوا أنفسهم رقباء على المتغيرات والتحولات، ويشعرون أن سطراً منهم سيقصي وزيراً وسطراً آخر سيضع النقاط على الحروف، الركض في هذا الفضاء بشغف وباستمرار قد يقود إلى مناطق نقد لاذعة، فنحن نقول في مجالسنا إنه لا يعقل أن يكون الوزير متفرغاً للحد الذي يمكن من خلاله أن نرشحه وزيراً لـ«تويتر» فينتصب لكل تغريدة طائرة بغض النظر عمن طار بها أو معها، ومن خلال استعراض عاجل للحسابات الوزارية التي تحظى برضا شعبي موقت معرض للنسف والتغير، أجدها حسابات تسويقية وإخبارية بحتة، أو زاوية مؤهلة للحساب الاجتماعي العشوائي واصطياد سخرية مناسبة في أوساط المهووسين بالتقنيات والتواصل، وربما أنها حسابات مصافحة ولو شكلية مع مجتمعات ترحب كثيراً وتودع سريعاً، أما الوزراء الذين لم يستسلموا بعد للحشد الجماهيري الراغب في انضمامهم لهذا العالم فيغلب عليهم وعلى وزاراتهم أن بين يديهم تحديات أكبر ومصارعة ملفات أكثر إرباكاً، وربما أن نطاق خدماتهم أوسع وأحد وأسخن، فلا وقت للذهاب إلى «تويتر»، والصراع على نقاط هامشية قبل التباحث بشأن سطر، الوزير في مجتمعاتنا لا يجب أن يكون بعيداً، لكن ليس من الضروري أن يكون قريباً، اقترابه لا بد أن يكون كابتعاده مدروساً، وليس رهناً لطلب شعبي أو قياس يقرأ كعاطفة بحتة، «تويتر» وسيلة تنفس وبوح ونثر للهموم، وربما عين على الأوجاع والجراح، لكنه أيضاً ولأزمة في الفهم والوعي وسيلة رصد وملاحقة وتجييش وزراعة اختلاف واحتقان، ولكم حرية التقاطع مع رأي كهذا!