الإحصاءات: غياب الدلالة وحضورها

تتيح النتائج التي كشفها التعداد الإحصائي للعام 2015، فرصة ثمينة للمخططين والباحثين وصناع القرار لفهم ما يحيط بهم من ظواهر وأزمات وتفاصيل معيشة، بشقيها الاجتماعي والاقتصادي. والخسارة هنا تكمن في عدم الانتباه للأرقام، والتعامل معها من دون اكتراث، رغم أنها تخص اقتصادا يحتاج إلى البحث في أدق التفاصيل لمنحه فرصا أفضل في التكيف والنمو.

ما الذي يعنيه تضاعف عدد سكان المملكة 10 مرات خلال 55 عاما فقط؟ ولماذا تركزت الزيادة في العقد الماضي، وتحديدا منذ العدوان الأميركي على العراق؟ ويمكن، ببساطة، أن يفهم من هذه الأرقام أن المحاذير السياسية والاقتصادية حيال زيادة عدد السكان ليست حاسمة في مآلات الأمور، إذ إن تداعيات الحروب التي تدور من حولنا تفعل الكثير في هذا الجانب؛ فهي تنشئ لاجئين وتعيد هندسة الاقتصاد تارة بمكاسب لمسناها مباشرة بعد سنوات قليلة على القلاقل التي شهدها العراق منتصف العقد الماضي، وتارة أخرى على شكل خسائر، كما في السنوات الثلاث الأخيرة بعد انسداد الحدود وتوقف التجارة.

الرقم الذي يستوقف الباحثين أكثر هو تضاعف عدد سكان العاصمة بين العامين 2004 و2015، ليبلغ اليوم أكثر من أربعة ملايين نسمة. وارتفعت نسبة سكان عمان من 38 % من إجمالي عدد سكان البلاد إلى 42 % بحسب التعداد الأخير، وهو ما يعني أن نحو نصف السكان سيكونون في عمان خلال السنوات الخمس المقبلة.

في البيانات الإحصائية أيضا، ورد أن 46 % من الأردنيين يمتلكون سيارات خاصة، وهي نسبة كبيرة ضمن شعب نصفه يقع ضمن شرائح الفقر المختلفة. كما تعني عبئا ثقيلا على موازنة الطاقة وفاتورتها التي تأتينا من الخارج، فتكشف من جانب آخر عن مدى الفشل الذي وصلت إليه الحكومات في إنشاء شبكة نقل عام في البلاد.

أما أن 98 % من الأردنيين يمتلكون هواتف خلوية، فهذا أمر يحتاج قراءة من زوايا متعددة. فلماذا كل هذا الارتفاع في هذه النسبة؟ وهل لامتلاك جل الأردنيين هواتف خلوية علاقة بمستوى إنتاجهم؟ أو هل ثمة روابط بين تملك الهواتف الخلوية وبين نمو الاقتصاد؟ وإذا علمنا أن العلاقة بين تملك الأجهزة الخلوية ونمو الاقتصاد ضعيفة أو غير قوية لجعل النسبة على النحو الذي جاءت عليه، يكون أمر التملك هذا خاضعا لحاجات ليست ذات صلة بالاقتصاد.

وفي الإحصاءات ما يشير إلى أن حوالي نصف سكان المملكة مشمولون بالتأمين الصحي. وترتفع النسبة للسكان الأردنيين لتشمل ثلثيهم، ما يعني أن هناك أكثر من مليوني أردني لا يشملهم التأمين.

كل رقم أو نسبة في الإحصاءات قصة بتفاصيل كبيرة؛ أحيانا تكون قصة نجاح وتميز، وفي أخرى فشل وارتجال. ووفقا لمدلولات الأرقام التي وردت حسب التعداد الأخير، فإن الفرصة مهيأة لإعادة هندسة ما يمكن هندسته في اقتصادنا بعيدا عن الإنكار ومواصلة تكرار البيانات بوصفها صماء لا دلالات فيها، كما يحلو للحكومات ترحيلها من حكومة لأخرى.