التعامل «الخشن» مــع المحتـجـيـــن!

كتبنا قبل يومين هنا، أن أحد أهم أسباب منعة الأردن، وتحصين جبهته الداخلية في وجه التطرف والدعوشة، كان التعامل بحكمة وسعة صدر، مع الاحتجاجات الشعبية، خاصة في ذروة ثورات الربيع العربي، وشهدنا إبانها تصرفات راقية من رجال الأمن، حيث عمد بعضهم إلى توزيع الماء والعصير على المحتجين، وكتبنا بالحرف الواحد، إن «مجمل السياسات الرسمية التي استوعبت الآثار المترتبة على ثورات الربيع العربي، والتماهي معها على نحو أو آخر، وهضم مطالب الناس، ولو جزئيا، وتجنيب البلد مخاطر سفك الدماء، والتعامل بخشونة مع المعارضين، «كانت» سياسة أثبتت نجاعتها في عدم تطور الاحتجاجات وتعاظمها؛ ما وفر حدا معقولا من السلم الاجتماعي، وعدم انزلاق البلد إلى ما انزلقت إليه بلاد أخرى، هيأت الظروف لعبث تنظيم داعش فيها، وللحفاظ على هذا المنجز لا بد من رد العرفان لمن ساهم في ترسيخ هذه السياسة، بتجنب القرارات والسلوكيات التي يمكن إدراجها تحت بند «الانتقام» من الربيع وأهله، وتصفية الحسابات معهم» هذا ما قلناه هنا، ولكننا فوجئنا، بما حدث أمام مجلس النواب، يوم الأحد الماضي، من فوضى غريبة، وتعامل «خشن» جدا مع محتجين حزبيين، نظموا وقفة احتجاجية تعبيرا عن رأيهم في مشروع قانون الانتخاب، وكان يمكن أن يمر الحدث بسلام وهدوء، لو تمكن المحتجون من التعبير عن آرائهم حتى «الشبع» دون تدخل فظ لفضهم بالقوة، فالمحتجون لم يكونوا ينوون البقاء في العراء طيلة الليل، خاصة وأن الطقس كان باردا، وممطرا، وعاصفا، وكان يمكن أن ينتهي كل شيء دون أسف وأسى، لولا .....!

في الجعبة كثير من الكلام، فمن رأى ما حدث، يعجب إن كان هذا يحدث في بلادنا، حيث الخطاب «الرسمي» هادىء ومتصالح مع الحريات، فيما «بعض» التصرفات تناقض كل هذا، كأننا لسنا في بلد واحد، بل في عدة بلدان!

إلى تلك المعاملة الخشنة، لا يكاد تخلو وسائل إعلامنا من أخبار «تسم البدن» عن توقيف واعتقال، بحق ناشطين وحركيين، وربما استدعاءات ومساءلات، لا تتفق والسياسة الرسمية المعلنة المتصالحة مع الذات والناس، والمتسقة مع شعارنا الكبير، بأن حريتنا سقفها السماء..

إن كانت تلك التصرفات «الخشنة» شاذة وخارجة عن النص، فيمكن ضبط الأمور، ومراجعة المسؤولين عنها، أما إن كانت سياسة جديدة معتمدة، فتلك انتكاسة عما ألفناه في هذه البلاد الطيبة، ولا يمكن أن تصدر عن «حكماء» هذا البلد، وفي كلا الحالين، نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى، لترسيخ سياسة الاحتواء والتسامح، واحتمال الآخر، واستيعابه، بدلا من دفعه دفعا للنقمة على البلد وأهله، وأمنه، وشحنه بغضب يفضي إلى التطرف والهلاك، وكل هذا لا يخدم مصلحة البلاد، التي تقع وسط الحرائق اصلا، ويُضرب بها المثل، بالتسامح والحكمة والسلم الاجتماعي.