أعمى وتيسٌ مُستعار ...فمن هو الثالث؟

أعمى وتيسٌ مُستعار ...فمن هو الثالث؟

كنت قد كتبت في الأيام الخوالي متكئاً على  المحكي الشعبي في قريتي أن أحد الفلاحين قد هم في مشيته وزوجته برفقة حماره إلى المدينة، قاصداً السوق وفي الطريق جلس رجل أعمى ينشد العون في المسير في نفس وجهة الفلاح وزوجته وحماره، فما كان من المرأة إلا وأن راحت تُقنع زوجها بان تنزل عن الحمار وتُركب الأعمى المسكين  بدلاً منها  حَزناً عليه ورأفةً بحاله وطمعاً في الأجر العظيم، لكن الفلاح وبسبب إحساسه الفطري تردد في الموافقة، تجنباً لنائبات الزمان وخوفاً من ضياع الوقت ذلك انه فلاح نشيط وعلى الدوام مشغول ببستانه وتربية حيواناته وعياله، ولولا إلحاح زوجته المغناج في طلبها  منه مرافقتها إلى المدينة لما فكر أن يذهب إليها لخوفه من صدمة الحضارة ومن قسوة المدينة على أمثاله حينما تضطرهم الأيام  ليزوروها كغرباء وضيوف ثقيلين عليها وعلى أهلها.

وبعد جدال طويل نزل الفلاح عند رغبة زوجته فأنزلها واركب الأعمى المسكين، ليس رغبةً منه بالأمر وإنما تجنباً لنقاشٍ حاد نشب بينه وبين زوجته فكاد النقاش أن يُفسد عليهما الرحلة،.... وفي المدينة حينما توسط الركب في السوق بدأ الأعمى يصرخ: ساعدوني...ساعدوني...لص يُريد أن يسرق حماري وزوجتي.....زوجتي.... حماري.....زوجتي.... فاجتمع الناس عليهم وأوسعوا الفلاح ضرباً قبل أن يسمعوا حجته، وجاءوا بالشرطة فاعتقلوهم جميعاً كون الموقف التبس عليهم، فهذا أعمى مسكين، وحمارٌ نشيطٌ هَميم، وامرأة لعوب، ورجل مضروب، فمن لهذه المسألة كي يحلها؟! فباتوا جميعاً في السجن كُلاً على حدا وفي الصباح احتار القاضي بحل المسألة وخاف أن يظلم الأعمى أو أن يظلم الفلاح، فاقر أن يُعيدهم جميعاً إلى السجن فعسى أن يفتح الله عليه بالحل ويحكم بالعدل ولا يظلم أحدا...فاستجاب له الله ففتح عليه، ليأمر بان يدخل مخبرين من الشرطة متخفيين كسجينين أحدهما مع الفلاح والثاني مع الأعمى ليبيتا معهما لعلهما يسمعان شكوى ونجوى كل منهما مما يُساعد في معرفة الحقيقة.

وفي اليوم التالي استدعى القاضي المخبرين فسأل الأول كيف نام صاحبك وبماذا تحدث ؟ فقال والله يا سعادة القاضي طول الليل يبكي ويقول : خيراً تفعل شراً تلقى .... ويا ليت أني لم أسمع من زوجتي ولم أُركب على حماري ذلك الأعمى اللص اللعين، يا ليت أني سمعت نصيحة رحمة والدي فلقد قال لي: (شاورهن واخلف شورهن)! أي ألنساء... فلا تطيعوهن في معروف حتى لا يطمعن في منكر!؟..... حسبي الله ونعم الوكيل!*.

أما الثاني فقال والله يا سعادة ألبيك كان نائماً طول الليل ولكنه صحي قليلاً ولعله كان يحلم، فالأمر عليَ مُلتبس فهو مُغمض العينين أعمى لا يراني ولكنه كان يقول: (إذا مشي الحال سأكسب المرأة والحمار....وإذا ما مشي الحال أهو كلام في كلام)......انتهت الحكاية.

ولنا في تونس حكاية ...فكم راعني موقف رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي يعتلي سدة الحكم ويبيت ليلةً رئيساً لتونس الثائرة الهادرة فلما فشل أعتلى سدة الحكومة ليكون وزيراً أولاً ولسان حاله يقول : إذا مشي الحال بكون كسبنا السلامة والزعامة، وإذا لم يمشي الحال أهو كلام في كلام.... رجل في منتهى العمر وشعبه ثائر وبلده تحتضر ويستميت في توجيه الأمور في صالحه وصالح  زمرة مُجرمين من خدام الدكتاتور والمتآمرين معه على تونس وأهل تونس علهم يستطيعوا مخاتلة الثوار ويصادروا نصرهم وثورتهم*.

وفي الشريعة الإسلامية حرم الله نكاح التحليل وهو نكاح يفعله من حَرُمَتْ عليه زوجته بالطلقة الأخيرة الثالثة؛ ولكنبعض الناس لضعف إيمانهم، وعدم خوفهم من الله يتفق احدهم مع شخص آخر ليتزوج مُطلقته، فإذا دخل بها ووطئها فارقها؛ حتى يعود إليها زوجها الأول، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن المُحلل والمحَلل له) ويُسمى المُحلل بالتيس المستعار لأنه جيء به للضراب، وليس زوجاً، وإنما جيء به ليدخل بها مرة،  تحايلاً على قوله سبحانه وتعالى:  }فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، والزوج هو الذي يطلبه لتحليلها، والمحلل له هو:  الزوج الأول المطلق، هذا نكاح باطل وحرام؛ إذا اتفقا عليه بالتواطؤ وهذا من أقبح الباطل ومن أعظم الفساد، وهو في المعنى زنى وسفاح ولا تحل المطلقة للزوج الأول إذا علم هذا، فإنه يستحق أن يؤدّب ويعزر بالتعزير البليغ الذي يردع أمثاله، ويُعزر أيضاً المحلل، وهي كذلك إذا كانت راضية، كلهم يعزّرون لهذا العمل السيئ؛ لأنه نكاح فاسد ومحرم شرعاً، نكاح خبيث، نكاح مُنكر ومعصية.

وفي أثناء ثورة شباب مصر لنا مع السياسة قصة: فهذا حسني الفرعون الهرم المنتهية مدة صلاحيته وفي آخر أيامه يحاول أن يُمرر حيلة مع عمر سليمان ليكون فيها الأخير تيساً مُستعاراً ليطأ مِصر ويدخل بها  فأذا ما هدأت الثورة عاد وسلمها لحسني الزوج الأول المحلل له ولكن مصر الطاهرة وبلد الأبطال تأبى نكاح التحليل وتستمر في الثورة ضد التحايل والتظليل وتلطم المحلل والمحلل له فيا ترى كم عندنا في وطننا العربي تيساً مستعاراً ومحللاً له  ومن هو الثالث المنتظر.

ما نراه في ليبيا وفي كل مساحات الوطن شعوب تثور وشباب يطلب المستقبل ويناضل من اجل الأمل ولكن مشهد النخب الانتهازية يتكرر حتى بدون مبرر من داخل منظومات الحكم أم من النخب السياسية ودكاكينهم الانتهازية ....ضباط كبار ووزراء وموظفين من نخب الدرجة الأولى المقربة للحاكم، بالأمس كانوا يهتفون :بالروح بالدم نفديك يا حاكم وفجأة حينما مالت الكفة قفزوا وبقدرة قادر إلى صف النضال والشعب......في الجماهيرية الليبية وفي اليمن وفي سوريا التي تذوب الروح حينما تخطر على البال....نخب لا تشم رائحة عطنها ولا تستحي، فكلهم أعمى وكلهم تيس مستعار ويركبون الموجة بلا خجل أو وجل.

أنا من دعاة الثورة والإصلاح في كل مساحات الوطن العربي وأتمنى أن تطلع الشمس يوماً على الأوطان وقد تغير كل شيء إلى الأحسن أما أن نخلع حاكم وحتى لو كان دكتاتوراً ونأتي بانتهازي فهذا الذي نحاربه شرعا وبلا هوادة.

تهمني بلاد العرب أوطاني ولكن يهمني الأردن أكثر حيث أعيش وأسكن وانتظر المستقبل، فإننا بدأنا نسمع  همساً في صوت مبحوح ...همساً في صوت مسموع أحياناً ...وحتى من دهماء الناس انه يلوح أعمى في الأفق يكاد ينقض على الزوجةِ والحمار وربما وضع عينه على البستان ...وعلى قاعدة جدتي رحمها الله:(ما في طق إلا من حق) بدأ يُطل برأسه كرزاي جديد وقرني الشيطان أو التيس يلوحان في الأفق وليت كلامي مُجرد حديث إفِكْ.     

نشخص المرض جيداً وربما تخطى المرض حالة الأعراض العارضة إلى أعراض مزمنة للمستوى الذي أنشأ تعقيدات بسبب المرض وبسبب الغفلة عن علاج الداء والذهاب إلى معالجة الأعراض ....كلنا نحوم حول المشكلة ولا نقتحم أعماقها ....أمراض الأردن بحاجة إلى وصفة بسيطة والى جرأة الطبيب المداوي إن وجد: تعديلات دستوريه تُفضي إلى حكومات منتخبه برلمانيا، فصل السلطات واستقلال القضاء، حرية إعلامية سقفها السماء وتطبيق مبدأ أن المسئول أياً كان نوع دمه هو مسئول أمام الشعب وسلطاته وأن المؤسسات في نظام الحكم هي جزء من الأردن وشعبه وليس العكس صحيح....مهم جداً أن نقبل تعاطف الناس وربما الدول من خارج الوطن مع نضالنا ونضال شعوبنا من أجل الإصلاح والحرية ولكن دون فرض حلول ودون وصفات غريبة على المواطن قبل أن تكون غريبة على الوطن.

مهم جدا أن نتنبه إلى الثوب الذي يُفصل لنا في دوائر خارجية أننا لا نريده ولا يناسبنا، والثوب الذي نفصله نحن لنلبسه هو الأفضل وفقط هو الذي يُناسبنا وأننا نبغي في الأردن زواجا شرعيا لا تيساً مستعارا يتم تسمينه في الخارج ليوم الضراب!... فليفهم المسئول في بلدي والناس أن الإصلاح في مصلحة النظام والمعارضة معاً وفي مصلحة البلطجية كمواطنين وكذلك الأغلبية الصامتة وفي النتيجة في مصلحة الوطن كل الوطن وليرعوي كل كرزاي منتظر... كل أعمى وكل تيس مُستعار وليرعوي كل انتهازي نخبوي أصفر يتحفز لاغتصاب الوطن

 د. م حكمت القطاونه-الكرك–الأردن   hekmatqat@yahoo.com   tel:+962795482538