النفخ وإعادة التشغيل طُرق الإصلاح الاردنية

حسب الطريقة الاردنية فإن اول خطوة لإصلاح اي خلل هو النفخ على مفتاح التشغيل ، ثم تأتي النصيحة التالية مباشرة على شكل أمر يقيني ( إطفيه وإرجع شغلّوا ) ، وباتت هذه الخطوات الاصلاحية سلوكا مجتمعيا بامتياز ، فكل خلل بتنا ننفخ عليه تضخيما او تبريدا ، مثل طرائق علاج الحروق والجروح ابّان مرحلة الطفولة حين كان الالم ( واوة ) يذهب مع اول بوسة من فم الوالدة او الخالة والعمة على مكان الالم ، وفعلا كان الالم يرحل ببركة السيدات العظيمات انذاك ، قبل ان تزول البركة مع اول اغنية ايحائية لهذه الخطوة الفطرية التي اخترعنها الامهات ، الاصلاح لم تتبعه القبلة ، فالحنان الاردني الى تراجع مقابل ارتفاع منسوب الغضب والكراهية وتعاظم ثقافة البغضاء والنميمة ، وإعادة التشغيل باتت تستهدف اخراج المزيد من دخان الغضب او الوصول الى مرحلة التفحم لكثرة محاولات التشغيل كمحطة اولى للانطلاق الذي ما زال أملا مجتمعيا .


قانون الانتخاب الذي بدأت مرحلة تشغيله تمهيدا للانطلاق هو التطبيق العملي والواقعي لسيرورة الاصلاح الاردنية ، فنحن نفخنا عليه وفيه حد التضخم ، ارتفع عدد النواب وتضخم البرلمان من كثرة النفخ مع انخفاض حرارة الاداء بحكم التبريد المتحقق من النفخ ، وفي كل انتخابات ثمة إطفاء واعادة تشغيل ، اطفاء القانون السابق ونظامه الانتخابي واعادة تشغيل قانون جديد ونظام انتخابي يماثله في الجِدة ، فما من انتخابات حصلت منذ عودة الحياة البرلمانية ثمانينيات القرن الماضي الا وكان لها قانونها الخاص ونظامها الخاص ، من الصوت المتعدد الى الصوت الواحد ومنه الى الدائرة الوهمية ثم الى القائمة المغلقة والان نسير نحو النسبية والغاء القائمة العامة لصالح قائمة المحافظة ولسنا موقنين من نهاية المشوار البرلماني رغم ان كل المؤشرات تقول انه سائر الى الإقرار كما جاء من الحكومة .

إطفاء قانون الانتخابات او النظام الانتخابي واعادة تشغيله كل دورة برلمانية ، افقدنا ميزة الاستقرار في السلوك البرلماني وارساء تقاليد برلمانية للرقابة والمحاسبة والتشريع وتثبيت الفواصل بين السلطات ، فأدار المواطن ظهره للانتخاب قبل ان يستكمل الاستدارة للمشاركة السياسية بمجملها بعد العبث بإرادة الناخبين ومخرجات صناديق الاقتراع ، ورغم كل المحاولات للنفخ فيه من اجل العودة الى المشاركة ، فلن يفعلها قبل ان يوقن ان ارادته ستحترم وان القانون سيفرز نخبة مخالفة للنمط السائد ، الذي يشبعهم شتما ويفوزون بكل الإبل الرقابية والمحاسبية والتشريعية واعني السلطة التنفيذية وهذا يحتاج الى محسنات على القانون الحالي ليس اولها تثبيت قواعد واضحة لاحتساب اعلى البواقي والعتبة اللازمة وليس اخرها عودة القائمة العامة على اسس حزبية فقط وفق ضوابط حزبية قانونية تكون اساسها عضوية الفرد في الحزب وثباتها طوال فترة البرلمان .

قانون الانتخاب مع استمرار عملية الاطفاء والتشغيل لن يوصلنا الى مرحلة الحكومة البرلمانية التي تحتاج في بواكير الحمل وليس الولادة الى قائمة عامة على اسس حزبية حتى تتشكل الكتلة الاكبر في البرلمان ويتم تكليفها بالحكومة وللوصول الى ذلك نحتاج الى دورتين يكون فيهما التشاور اساس قبل الاختيار وهذا يعني بالمعادلة السياسية استقرار القانون والنظام حتى تستطيع القوى السياسية والاجتماعية التحضير للعملية الانتخابية دون نفخ ودون اطفاء وتشغيل يسارعان في احتراق المحرك فلا يستطيع الانتقال والحركة او على الاقل يقومان بحرق مولد الشعلة اللازمة للانطلاق كما حصل سابقا ورأينا ثمار ذلك على حجم الطاقة السلبية المتجمعة في الفرد والمجتمع .