تُخمة في الوطنية ... ونُدرة في التطبيق
"أردن أرض العزم أغنية الظبى نبت السيوف وحد سيفك ما نبا
في حجم بعض الورد إلا إنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصبا"
الوطنية غريزة إنسانية متأصلة في النفس البشرية،ومفهوم الانتماء الوطني وراثي يولد مع الفرد من خلال ارتباطه بأهله،ومحبته للأرض التي يعيش عليها،وتفاعله مع البيئة المحيطة به.
فالوطن هو الرحم الذي ولدنا منه،والأرض التي نحيى عليها ونموت،وندفن فيها.وخلال مسيرة حياتنا نعمل على رفعة الوطن وبناءه وتقدمه وحمايته والدفاع عنه.وهو الأرض التي نعيش عليها،نقتات من خيراته،وننعم بطيب هواءه،وعذوبة مائه،وجمال وروعة جباله وسهوله ووديانه،وفيه جذورنا وأشجاننا وذكريات طفولتنا،ومراهقتنا،وكهولتنا.
فالإنتماء للوطن عقيدة راسخة،وهو الإحساس الداخلي الصادق بحب الوطن لدرجة الذوبان الوجداني فيه وبأحداثه والعمل على رفعته ورقيه،والتناغم التام مع دستوره وقوانينه وأنظمته وكل ما فيه خير له،وهو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة،التي يجب أن يتشربها الطفل منذ صغره،ويجب أن يحرص عليها الآباء والمعلمون إلى جانب حرصهم على بقية المكارم والأخلاق،حتى نضمن جيل يتوازى لديه التطبيق والسلوك العام –قولا وفعلا-مع فطرة الإحساس الداخلي بالإنتماء للوطن.
فالوطن هو القدسية التي يجب أن تبقى وتدوم،وفي محرابه تنتهي وتسقط جميع الإنتماءات الأخرى.وهنا أستذكر ما قاله الشهيد وصفي التل ذات يوم عندما قالوا له مخزونك من قواعد اللغة العربية قليل،فقال لهم :( قد يكون مخزوني منها قليل،ولكن مخزوني من حب الوطن والإنتماء له كبير جدا جدا ).
وهنا يدور في الخلد سؤالا:كيف لنا قياس إنتماء الأشخاص ومعرفة مدى وطنيتهم؟؟؟
من هنا يمكن لنا أن نميز بين الوطني الحقيقي وبين مُدعي الوطنية إذا ما عرفنا أن : ( الوطني هو الذي يكون مستعدا لتقديم كل ما يملك من أجل وطنه حتى ولو وصلت تضحيته فداء وطنه،بروحه ودمه.بيمنا التابع هو الذي لا يُقدم أي شيء لوطنه،حتى الكلمة يبخل بها ولا ينطقها إلا إذا ما كانت مدفوعة الأجر ).
وإليــــــك يــــــا مُدعـــــــي الوطنيــــــــة ... مُـــذكــــــرين ومُتـسائليـــــــــن :
*أين وطنيتك عندما تحنث بالقَسَم واليمين وتخون الأمانة وتصد محتاج عن بابك ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تُقرب من لا يستحق وتمنحه المناصب والإمتيازات وتُبعد وتُحرم الأجدر والأحق ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تُقصي الكفاءات والخبرات الوطنية وتقضي على الإبداع والتميز ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تُهدر المال العام،تُسرف وتُبذر بدون حسيب أو رقيب؟؟؟
*أين وطنيتك عندما تنقلب على الوطن ومؤسساته وتُقصي أبناءه الأكفاء ؟؟؟
*أين وطنيتك عندما لا تقيم وزنا لإنسان،ممارسا لكل أنواع الظلم والطغيان ؟؟؟
*وأين هي وطنيتك عندما تتطاول وتسيء إلى كل المبادىء والقيم والثوابت الوطنية؟؟؟
فالوطنية نراها ونشاهدها تتجلى في الكثير من المناسبات،يقوم بها أشخاص منفردين أو مجتمعين وتتخذ العديد من الأشكال للتعبير عنها بصفة شخصية أو مؤسسية :
-يضع الشعارات والصور والملصقات الوطنية على مركبته ويخالف أبسط قواعد المرور
-يجلس في مكتبه والصور الوطنية فوق رأسه ويعيث فسادا وإفسادا في المؤسسة
-يكتب الشعارات الوطنية في بياناته ويتنكر للوطن
-يَسوق الوطنية ويُجاهر فيها ويُحاجج بها وعند وصوله لمبتغاه ينسى أن هناك وطن
-يطرح الشعارات الوطنية التي تدعوا للعدالة والمساواة وعندما يجلس على الكرسي يصبح إقصائيا،ممارسا للشللية والواسطة والمحسوبية والجهوية
-يدعوا إلى الإنتماء للوطن وينساه مجيزا شحنة مشبوهة أو ممررا عطاء مخالفا
-يُدافع عن قضايا الوطن وينحاز الى جانب أصحاب الفكر والعقيدة من خارج حدود الوطن
-ينادي بتكافؤ الفرص ويسقط عند أول إختبار بتعيين قريب أو نسيب متجاهلا حقوق الغير
-يطالب الناس بالوطنية ويحثهم عليها في مختلف المناسبات وعندما يقصده الناس يتنكر لكل تلك القيم
-يقطع على نفسه أغلظ الأيمان بأن يكون للوطن وإلى جانب المواطن ويتخلى عنهما من أجل مصالحه الضيقة
وبعد كل هذا ألا نكون محقين عندما نقول بأن هناك :
( تُخمة في الوطنية ... ونُدرة في التطبيق ؟؟؟ )
بقلم:أسعد إبراهيم ناجي العزام
رئيس جمعية حداثة للتنمية والديمقراطية
الجبيهة-عمان-الأردن
وإلى اللقاء في المقال القادم بعنوان " شباب ... وإرهاب "
الأحد:21/شباط/2016