الحياة الخضراء
السلسلة الخضراء
الحياة الخضراء (10)
المفهوم العام للحياة الخضراء هو أن تعيش في بيئة تحافظ عليها وتعمرها دون أن تتلفها وتسبب في نفاذ مواردها أو حتى تلوثها وتسبب في فشل الدورات الطبيعية للحياة من الاستمرار ويمكن أن يتم تطبيق ذلك في كل موارد الحياة بدءاً بالمأكولات والأطعمة والزراعة والطب و وصولاً للصناعة بأنواعها والبترول والتقنية وعلم البحار والمياه وكل مناحي الحياة حتى أنّه استحدثت صناعة السيارة الخضراء .
وبالنسبة للون الأخضر فهو وصف للجنة وما بها من نعيم كما قال سبحانه
{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }صدق الله العظيم
وربما أقرب معنى للون الأخضر هو الطبيعة الخضراء أو الإحساس بها
ونراه بشكل خاص في النباتات بسبب وجود الكلوروفيل مما يعكس إحساس الطبيعة , وهذا هو ما يعني الحياة الخضراء ودلالتها اللونية.
أما الاستدامة فلها أيضاً تلك التعاريف الكثيرة وقد أتفق على أنها القدرة على تلبية حاجات سكان العالم الحاليين بدون إلحاق الضرر بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها , عندما تكون عملية ما مستديمة فانه يمكن استخدامها مرات عديدة بدون آثار سلبية على البيئة و بدون تكبد تكاليف باهظة مستحيلة , والتي تقوم على مجموعة السياسات والإجراءات المتخذة لتحقيق التوازن بين تفاعل المنظومات البيئية الثلاثة (الحيوية، والمصنعة، والاجتماعية) والمحافظة على سلامة هذه النظم البيئية , وكما هو واضح فهي مشتقة من الكلمة دائم .
أمّاالعمارة الخضراء والعمارة البيئية فهي تلك العمارة التي تتلاءم مع البيئة المحيطة من جميع الأبعاد البيئية وتستخدم مواد من نفس البيئة في عمليات العمران والإنشاء.
وكمثال على الإستدامة أن يبني الإنسان بيتاً يكون مناسب له الآن، ولأهله، ثم له القدرة على استيعاب أولاده، ولأحفاده، وربما لعشرة أجيال أخرى من أحفاده ولهذا البيت المرونة في البقاء والتوسع والتغير بحسب التغيرات الجديدة له ولساكنيه.
وقد تكون انظمة البيوت التقليدية في فكرتها التصميمة أقرب الأمثلة لذلك وليست أشكال تلك البيوت , فالمظلة الحقيقية هي الاستدامة وتقع الحياة الخضراء والعمارة الخضراء كأحد تخصصاتها فالاستدامة هي الكلمة الأشمل , وقد انطلقت العمارة الخضراء باشتراطات خاصة ومختلفة حتى يمكننا أن نطلق على المبنى بما يتماشى مع شروط العمارة الخضراء من حيث عدم استهلاكه للطاقة وأن لا يسبب تلوث أياً كان نوعه كما يمكن له أن ينتج طاقاته بنفسه و يمكن أن يعيش أطول مدة ممكنة وعمر افتراضي يستوعب أجيال متعددة , ويمكن تحقيق ذلك بالتوجيه الصحيح للمبنى بالنسبة للموقع لاستفادة من الشمس، الهواء , وترشيد المياه وإعادة تدويرها وكذلك حفظ الطاقة ومحاولة إنتاجها ذاتياً , إضافة لإستعمال المواد الطبيعية والصديقة للبيئة والتي تنبع من نفس الأرض والجودة الداخلية للمبنى .
ونظراً لأن الاطفال اليوم هم شباب الغد فقد أطلقت بعض الدول برنامج "مدرسة الحس البيئي” بتعاون مع وزارة التربية والتعليم ويشمل البرنامج عدد من المدارس والروضات ويعتبر هذا البرنامج أحد البرامج التي يتم تنفيذها في إطار الاتجاه الاستراتيجي الخاص بتوعية وتثقيف المجتمع بالبيئة لإنشاء اجيال اكثر تحمسا ووعيا للحفاظ على البيئة وأسلوب الحياة الخضراء من خلال مجموعة من النشاطات المدرسية البيئية والربط بين المناهج التعليمية الصفية واللامنهجية عن طريق المعلمين والمعلمات المدربين على ايدي خبراء وطنيين ودوليين بالمفاهيم والمهارات البيئية اللازمة لإنجاح هذا البرنامج ،فقد أصبحت البيئة جزءا لا يتجزأ من برامج التنمية المستدامة وفرضت المواضيع البيئية نفسها على المخططين لبرامج التنمية بكافة جوانبها على مستوى الدولة
والحس البيئي والمدارس البيئية هو برنامج دولي للتعليم البيئي والإدارة، ويهدف إلى رفع وعي الطلبة بقضايا التنمية المستدامة من خلال العمل في الصفوف المدرسية والمدرسة والمجتمع , ويشجع البرنامج الأطفال والشباب على اتخاذ دور فاعل في إدارة مدارسهم لفائدة البيئة، حيث يتم القيام بالخطوات العملية لتقليل الأثر البيئي للمدرسة، يتبع عملية مبنية على أسس أنظمة الإدارة البيئية والمقاييس الدولية , وقد طبق البرنامج الدولي في بعض الدول للمدارس البيئية في مرحلته الريادية من خلال عدة مدارس في مختلف المراحل العمرية , ومن الانشطة التى من الممكن ان تمارس في المدارس الخضراء سياسات فصل النفايات العضوية عن البلاستكية والورقية والزجاجية بواسطة حاويات خاصة ليسهل أعادة استخدامها وتعويد الطلاب على فصل النفايات في المدرسة وتشجيعهم لفعل ذلك في منازلهم , وتركيب ادوات ترشيد المياه الموزعة مجانا من قبل وزارة الماء والكهرباء وتعريف الطلاب بها وبأهميتها مع اعطائهم ورش عمل عن تركيبها وفائدتها ,واعطاء الطلاب والطالبات ورش عمل ضمن حصص التربية الفنية عن كيفية اعادة استخدام/تدوير النفايات( التى قامو هم انفسهم بجمعها )من علب معدنية ورق وزجاج وعمل مجسمات وأشكال فنية باستخدامها بما يتناسب مع مراحلهم العمرية.
وكذلك القيام بغرس نباتات مع اعطاء الطلاب المسئولية رعاية النباتات والحفاظ عليها بعد اعطائهم التدريب الازمة , وتدريب الطلاب على كيفية تحويل النفايات العضوية الى سماد طبيعي لتشجيعهم على الزراعة العضوية الطبيعية مع تعريف بقيمتها الغذائية وخطر المبيدات على صحة الفرد, و تمكين الصغار من لعب أدوار الخبراء بشأن تغير المناخ لدراسة الجوانب المختلفة لتغير المناخ ، والتأثيرات المتوقعة لهذه الظاهرة في وسطهم.
وفي المناطق الشاطئية ضرورة توعية المجتمعات الساحلية بآثار تغير المناخ وتبني سلوكات تدفع نحو احترام البيئة ، والحد من انبعاث الغازات السامة .
ولنخطوا نحو الحياة الخضراء يجب ان نعزِّز التشاركية بين القطاع العام بكافة مؤسساته والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الطوعية واللجان المحلية في الأحياء وتجمعات المرأة والمؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة , ويجب ان تكون البداية عبارة عن حملات وبرامج توعويّة تخاطب مختلف شرائح المجتمع بهدف الإرتقاء بالوعي البيئي لدى المواطنين والمقيمين والزوار للبلد .
وتلعب وسائل الاعلام ومنها الصحف والمجلات على وجه الخصوص دورا كبيرا في نشر التوعية البيئية بين المواطنين من اجل توسيع دائرة الثقافة والوعي بالمضامين البيئية والوسائل الكفيلة بخلق وتأسيس بيئة نظيفة وسليمة خالية من عوامل التلوث,وتكمن اهمية معرفة المواطن بهذه الجوانب كونها تمس حياته اليومية ومستقبله حتى تتكون لديه حصانة وتصور ناضج حول البيئة وكيفية التعامل اليومي معها عبر فعالياته وانشطته اليومية من اجل المحافظة على هذه البيئة ابتداء من البيت والشارع والمحلة وانتهاء بآخر حلقة في مكان العمل وأماكن التسلية والترفيه , وعلى هذا فان لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الدور الكبير على هذا المستوى خاصة للتأثير الذي تولده لدى المتلقي ومدى ادراكه للمخاطر الناجمة عن عدم احترامه للمتطلبات البيئية وللقوانين التي تكفل الحفاظ على البيئة وعدم التعسف في استخدام مواردها خدمة للحاضر والمستقبل. ومن بين ما يقع على هذه الوسائل من مسؤوليات هي تنمية الوعي والانطباع المبكر لدى شريحة الاطفال بأهمية الحفاظ على البيئة انطلاقا من ان هذا الوعي يبدأ اولا من البيت والمدرسة والشارع آخذين بعين الاعتبار ان الاعلام في مجال البيئة يعد احد المقومات الاساسية في بناء هذا الوعي ونقل الخبرات والمعارف والتقنيات الجديدة الخاصة لحماية البيئة وغرس القيم التي تدعو للتخلي عن السلوكيات الضارة بها.
وبهذا يلعب الاعلام دورا في تشكيل قوى ضاغطة لحث اصحاب القرار على انتهاج سياسة انمائية متوازنة تخدم البيئة وتحافظ على مواردها الطبيعية وتمنع تدهور هذه الموارد جراء الاستغلال العشوائي وغير المبرمج لها.
تعد البيئة وحمايتها هي الأساس في ان نحيى حياة خضراء كما انها احد المقاييس والمعايير الخاصة بتقدم او تأخر هذه الدولة او تلك, فلو أخذنا احد البلدان النامية وبدأنا في حساب تكاليف صرفيات تصفية المياه وتصريف مياه المجاري ومدى اضرارها على المواطن والبيئة وكذلك المشاريع الصناعية واضرارها على المنطقة كمخلفات غازية او نفايات الصناعات المختلفة التي تبقى متروكة في العراء دون أي اجراء او طمر ، او قد نلاحظ كيفية استعمال المبيدات الزراعية وتأثيرها المباشر وغير المباشر على المواطن والانتاج او البيئة المحيطة ، لوجدنا ان هناك آلاف الدنانير تصرف يوميا جراء هذه المخالفات اضافة الى جهل المواطن الذي يزيد الوضع سوءا عند عدم معالجة هذه المشاكل بالشكل السليم, بل هناك هدر في طاقة الانسان وصحته ناجم عن تزايد هذه المشاكل وهذا ما نلاحظه في تفشي الامراض في هذه المجتمعات ومن ثم عدم قدرة الانسان السير في الاتجاه الصحيح لمواكبة الدول المتقدمة.
وعندما نقارن ذلك مع احدى الدول المتقدمة بيئيا نلاحظ اوجه الفرق والاختلاف بين بيئتهم وهذه البيئة فقد تم السيطرة على المناطق الصناعية من خلال موقعها خارج المدن ومعالجة مشاكلها الملوثة بطريقة صحيحة وعلمية واقتصادية ويتمثل هذا بوضع فلاتر للافران او مداخن المصانع او كبس المخلفات الصناعية واعادة تدويرها ثانية او احراق المخلفات النفطية او طمرها عند عدم الاستفادة منها.
واذا اخذنا جانبا اخر هو الماء نلاحظ انه تم تصحيح مشاريع الماء على اسس علمية سليمة بعيدة عن جميع الملوثات ومن ثم عمل وحدات معالجة للمياه المستعملة في المدينة واعادة تصفيتها واستعمالها كمياه لسقي المزروعات او استعمالات اخرى , وعند التكلم عن الزراعة نلاحظ أضرار ظاهرة استخدام الاسمدة او المبيدات الزراعية على الانتاج , فالانتاج العضوي له سوق اكثر رواجا من قبل المواطن وذلك من خلال شعار يوضع على صناديق تلك الخضروات والفواكه وذلك لان تلك المبيدات لها تأثير سمي على الانسان بالرغم من انها تقضي على الحشرات التي تتغذى على النباتات وبالتالي تولد خسارة اقتصادية في الانتاج.
والتمدد العمراني كذلك يسبب خسارة الاقتصادية عند تحويل قطع اراضي من ارض زراعية الى منطقة سكنية فكم ستكون هذه الخسارة, ويندرج في هذا الاطار ظاهرة تصحر تلك الاراضي بسبب تغيير طبيعة تلك الاراضي ثم القضاء على انتاجها زراعيا ثم اقتصاديا.
وهنا علينا ان نأخذ الجانب البيئي في الاعتبار ونضعه في الميزان ونرجح كفة الربح عن الاخرى فعند تعليم الطفل عادات سليمة في بيئته نكون قد زرعنا البذرة الاولى له ثم نستكملها في مدرسته ومن ثم تطبيقها على مجتمعه وهذا مانشاهده في اعمال التشجير او استخدام السلوك الصحيح مع موارد البيئة والقيام باعمال تخدم تلك البيئة مثل عدم رمي النفايات ووضعها في اماكنها الخاصة.
وعند وضع المحددات البيئية السليمة للمشاريع الصناعية والخدمية واستكمال التشريعات اللازمة نكون قد قطعنا الطريق على كل المخالفات والاعمال التي تضر بالانسان والبيئة.
ان التخفيف من الهدر البيئي لبلد ما يعني اننا كسبنا نقاطا نحو الحياة الخضراء لمواطني ذلك البلد وهكذا بمزيد من التوعية والتغيير نحو السلوك الأفضل بيئيا وصحيّا نلج الحياة الخضراء بلونها النظيف الزاهي .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئية
ambanr@hotmail.com
21 / 2 / 2016