العشائرية والتعديلات الدستورية

عندما تشكل لجنة ملكية من أجل اجراء تعديلات دستورية، فهذا رد من أعلى مستوى على "الجنجويد" الذين يعتبرون المنادين بالدستورية مارقين يستحقون الرجم بالحجارة على دوار الداخلية. وقد جاء البيان السياسي لنشطاء بني حسن ليوضح أن العشائر الأردنية ليست "جنجويد" أي قوة قبلية مسلحة لتأديب العصاة والمتمردين خارج إطار القانون، بل هي قادرة على الانخراط في عملية الإصلاح وتسريع وتيرتها.

تاريخيا لعبت في العالم العربي القوى التقليدية دورا حاسما في بناء الديمقراطية، وفي اليمن نموذج واضح لدور شيوخ العشائر في بناء الديمقراطية، ولذا يعتبر الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رحمه الله، أبو الجمهورية، وقد قال أبو الأحرار اليمنيين الشهيد عبدالله الزبيري إنه يصحو من نومه مرعوبا عندما يتخيل اليمن من دون الشيخ عبدالله، ووصفه بأنه "يحمل أثقال جبال اليمن وسهولها ووديانها والأمانة الكبرى نحو الشعب والبلاد، وهو الذي يرجح كفة النجاة للوطن، وأنه إذا قال نعم أو لا بكل قوته ورجولته سيغير حينئذ مجرى التاريخ".

في البيان الذي وقعته نخبة طليعية من أبناء بني حسن دعوة صريحة إلى "وجوب اجراء تعديلات دستورية وتشريعية تضمن تعديل المواد التي تتعارض مع متطلبات الحياة الديمقراطية وارساء مبدأ سيادة القانون." ولم أجد ما أختلف فيه مع تفاصيل البيان الذي يعد من أفضل ما حرر في الإصلاح. مع التأكيد هنا أن العشيرة إطار اجتماعي لا سياسي، وإن لعبت دورا سياسيا. وقد جاء التحرك مواتيا في مرحلة يحاول أعداء الإصلاح اختطاف العشيرة.

وقد بدا جليا عمق القائمين على البيان، ومما جاء فيه "التمثيل النيابي الحق هو أحد ركائز النظام السياسي للدولة الاردنية مما يوجب قيام هيئة قضائية للإشراف على إجراء الانتخابات النيابية والطعن بها لتتجلى ارادة الشعب كما هي حرة ونزيهة دون تزوير".

من هم أعداء الإصلاح إذن؟ لا شك أنهم إما جهلة أو أصحاب مصالح ضيقة يخشون عليها إن اكتملت عملية الإصلاح. يجهل أولئك أننا بلد دستوري. هل قرؤوا المادة الأولى في الدستور التي تنص على أن نظام الحكم نيابي ملكي؟ الدستور والواقع يقولان إن الملك يمارس سلطاته من خلال وزرائه، وإن أوامره لا تخليهم من مسؤولياتهم.

ليس مؤسفا العودة إلى الينابيع في سنوات التأسيس، المؤسف الشرب من المياه الملوثة.