الصراع الاجتماعي وعمالة الأطفال.. لماذا لا نلجأ للتمكين؟!


العربات تملىء السوق الشعبي كلّ منها مزينة بطريقة بريئة وبسيطة تشبه بساطة أطفال هذه المنطقة. يعمل كل من أبناء هذا الحيّ في مدينة عمان رائد يبيع الذرة على عربة متنقلة، و أحمد يبيع الخضار في إحدى بسطات السوق، بينما يبيع علي النظارات المسروقة والمستوردة من الأسواق الصينية والتي يصنفها التجار ستوكات، أمّا أيهم ونزار فكل منهما يبيع القهوة على أبواب أحد الأسواق التجارية الضخمة في العاصمة؛ ما يجمع هاؤلاء الشبان جميعا قصورهم العمري والمدينة التي نشأوا فيها بالاضافة لتحمل المسؤولية في سن مبكر.

يقول رائد :"كنت أتمنى ان أكمل تعليمي لكن ظروفنا لا تسمح فأبي يعاني من مرض العضال ولا يستطيع ان يصرف على المنزل، لدي 3 أخوات والنساء يمثلن الكرامة بالنسبة لي بالتأكيد لن أنتظر شفقة من الناس أو تضحية من إحداهنّ؛ لذا قررت ان أكافح".

رائد نموذج لواقع الشباب القاصر المضطر للعمل في أسواق الأردن وعلى الاغلب هو نموذج لجميع شبان الوطن العربي القاصرين والعاملين في آن واحد، الجهلوظروف الحياة السيئة والفقر هي المحرك الرئيس الذي يدفع الجميع للعمل والتنازل عن الحقوق التي يتوجب على الدولة تأمينها.

لكن المأساة الحقيقية تتمثل في نظرتنا كأفراد في المجتمع لقضية عمالة الأطفال حيث أصبحنا ننظر لها بشكل عادي وكأنها لا يؤثر أبداً على المجتمع وهذا ما أدى لتفاقم المصيبة، الغريب أنّنا تبيناها كضرورة مجتمعية غافلين عن مؤسسات الدولة كمؤسسة التنمية الإجتماعية مثلا، متجاهلين حق الأطفال في التعليم والراحة، حق استثمار طاقاتهم ببناء عقلياتهم و صقل مهاراتهم للنهوض بالمجتمع، متغافلين عن توعية المجتمع الذي يعدّ الركن الرئيس لمحاربة مثل هذه الظواهر.

عندما قررت ان أبحث في موضوع عمالة الأطفال طرحت عدة تساؤلات على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" لأستطيع جسّ نبض الشارع الأردني، ومن هذه الأسئلة ترى ما سبب ارتفاع نسب عمالة الأطفال؟ وهل تؤثر هذه النسب بشكل سلبي على المجتمعات؟ وهل ما زالت عمالة الطفل أمر متقبل وطبيعي كما كانت سابقا؟

لكن أغلب الأجابات كانت صادمة وتتمحور في السياق ذاته ان عمالة الطفل أصبحت واجب جبري متقبل وان لا مفر لضمان الكرامة والسترة سوى العمل. ما استطعت استنباطه من هذا الطرح ان هناك نقطة مهمة ورئيسية تتمثل في ان أغلب الأطفال من فئة الذكور وهم يشكلون النسبة العاملة الأعلى من القاصرين لا يحبون المدارس والدراسة وهذا الدافع من أهم الدوافع التي تدفعهم للجوء للعمل. هذه النقطة مهمة جدا وإذا أردنا التركيز عليها سنجد ان الفساد الرئيسي ومحرك الكره المتفشي نابع من مؤسسات التعليم بشكل رئيسي إمّا لسوء إختيار المدرسين والذي بني أساسا على الواسطة أو "ترتيب الدور في ديوان الخدمة المدنية" كما يصطلح تسميته دون النظر لمؤهلات المعلم ومدى استيعابه للطفل و الالتفات من قبل الوزارة لمستواه وطريقة تعاطيه مع المنهاج المطروح وطريقة ايصاله للطالب. ومن أهم النقاط التي نغفل عنها تعنيف الطفل في المدارس؛ رغم ان نسب التعنيف انخفضت مقارنة مع السابق إلا أنها ما زالت منتشرة بشكل كبير.

ومن أهم الأسباب التي أشرت إليها سابقا فقر المجتمع إذ يعد المجتمع الأردني من المجتمعات الفقيرة نسبيا إذا ما قارنا دخل الفرد بمستوى المعيشة وهذا الأمر يسهم في قسم المجتمع لفئتين فئة الأغنياء والتي لا تشكل نسبة 20% من المجتمع. وفئة الفقراء أو من هم أسفل الخط المعيشي وهاؤلاء يشكلون نسبة 80% وهذا ما يبلور نظرية الصراع الاجتماعي، مما سيخلق الفوضى الاجتماعية والتي سيؤثر سلبا في على المجتمع في المستقبل وقد تحفز الأطفال لارتكاب ممارسات الخاطئة قد تدفعهم للجريمة وممارسة التطرف والارهاب وغيره. لكن يبقى السؤال الأبرز لماذا غفلت الحكومة عن هذه المشكلة الخطيرة؟ وهل تصرفات الحكومة كانت السبب الرئيسي وراء خلق الصراع الاجتماعي؟

إذا نظرنا للقضية من زاوية مجتمعية أسرية وشخصية بالدرجة الأولى اذا سمحنا للطفل بالعمل سنتيح له جانب من الإختلاط الغير واعي الذي بني على قلة الإدراك والخبرات أي أنّنا ساهمنا في تشكيل شخصية مختلطة غير مصقولة قابلة للتشكل بالإحتكاك و العدوى و التقليد وهذا يعني إفساد فرد صغير سيكبر وسيصبح أب وسيفسد أبنائه وابنائه سيفسدون زملائهم وجيرانهم مما سيؤدي لإفساد شريحة كبيرة من المجتمع.

نهايةً على المؤسسات المعنية بالطفل والأسرة والتنمية المجتمعية ان تعي ضرورة مسألة تمكين لطفل اجتماعيا وهذا الأمر سيسهم في بناء مستقبل لهذا الطفل وللمجتمع ككل، وهذا من شأنه تحقيق تنمية ورقي فكري ومجتمعي. نحن خلقنا لنحدث تغيّر إيجابي ولم نخلق لإنشاء وزارات ومؤسسات وتوظيف كادر كبير فيها دون إدراك منّا لسوء التخطيط و دون الالتفات لما تقدمه أو تهدمه في المجتمعات.

بعض الأخطاء تكون دولية - مؤسسية أكثر منها فردية.