أبرز ثلاثة مرشحين للرئاسة الأميركية

يبرز ثلاثة مرشحين في المشهد الانتخابي الأميركي حاليا. على صعيد الحزب الديمقراطي، هناك هيلاري كلينتون التي إن فازت ستكون أول سيدة تصل للرئاسة الأميركية في التاريخ، وهناك بيرني ساندرز الذي سيكون في حال فوزه أول رئيس يهودي. ولدى الجمهوريين دونالد ترامب، الذي يمثل، للوهلة الأولى، الوجه الفاقع للفكر الأميركي المتعالي، ويبدو كما لو كان أكثر إيماناً بسياسات راديكالية عالمياً.

يشكل ساندرز، حتى الآن، أهم تطور في مشهد الحملة الانتخابية، ويذكّر كثيرين بصعود باراك أوباما، شبه المفاجئ في حملة انتخابات العام 2008. ويتبنى هذا المرشح أفكارا اشتراكية، تؤيد الدور التدخلي للحكومة في الاقتصاد، لحماية الفقراء والطبقات الأقل دخلاً. ودفعت آراؤه منافسته الوحيدة في الحزب الديمقراطي، إلى تبني المزيد من التوجهات الاجتماعية الشبيهة. لكن على الصعيد الدولي، فإنّ ساندرز، كما تزعم الصحافة الإسرائيلية، يحاول قدر الإمكان، أو أنّه لا يكترث فعلا لتحديد موقف من "إسرائيل"، وأنّه يشير، كما يشير أنصاره، لهامشية الموضوع الديني بالنسبة إليه. وبحسب دورية "فورين أفيرز" الأميركية، فإنّ حقيقة كون كلينتون خدمت وزيرة للخارجية مدة أربعة أعوام (2009 - 2013)، يعطيها سبق التفوق في مصداقية الفعالية والخبرة في الملف الدولي على ساندرز. وبتحليل أولي، يمكن القول إن فاز شخص مثل ساندرز فإننا قد نشهد المزيد من سياسة الرئيس باراك أوباما الحالية، التي تتحفظ وتتأنى كثيراً في سياساتها الدولية، وسيركز على الملفات الداخلية، بل سيتبنى سياسات اقتصادية أقل انفتاحاً وهذا سيكون له أثر في السياسة الخارجية. فتبني سياسات اشتراكية (يسمونها في الولايات المتحدة، وعلى عكس ما يسميها العالم، بالسياسات الليبرالية التي تؤمن بتدخل الحكومة)، لن يكون في صالح الليبراليين الجدد من الحزب الجمهوري، الذين يتبنون تحريرا أكبر للاقتصاد، وتقليل دور الحكومة وتقليل الدعم الموجه للطبقات الأقل دخلا، بداعي تشجيع الاستثمار وتحفيز التنافس. وهذا سيقلل أيضاً فرص الشركات العالمية المرتبطة بهذه الأفكار، التي شجعت واستفادت من التدخل الخارجي ومن الحروب، وتحولت إلى شركات محاربة، زمن جورج بوش الابن في العراق.

في المقابل، فإنّ كلينتون انتقدت في كتابها الذي صدر بعد خروجها من وزارة الخارجية، ترك الولايات المتحدة لملفات مفتوحة من دون معالجة؛ من نوع انتقادها مساعدة المجاهدين الأفغان ضد السوفييت، ثم ترك أفغانستان لأزماتها ما أوجد "القاعدة" وجعل "طالبان" تتبنى وجهاً متطرفاً. ويتوقع أن تتبنى كلينتون "سياسة تدخلية" أكثر من أوباما في الخارج.

شعار دونالد ترامب وأنصاره "اجعل أميركا عظيمة ثانية". وهو وإن كان يبدو أبرز المرشحين الجمهوريين، إلا أن حقيقة وجوده بين خمسة مرشحين للحزب، قد يقرر بعضهم الانسحاب، ربما يغير من موازين القوى لاحقاً. ويمزج ترامب بين اللعب على وتر الخوف من الإرهاب، ووتر التوق للعظمة والتفرد الأميركيين، وبالتالي يتحدث عن سياسات تبدو كاريكاتورية وغريبة، من نوع منع المهاجرين ومراقبة المسلمين في الولايات المتحدة، وبناء "جدار كبير جميل" على الحدود مع المكسيك، مع أنّ له استثمارات مهمة في دول الخليج العربية. وقد غضب رجال الأعمال الخليجيون، وخصوصاً الإماراتيين، من مواقف ترامب، وأعلنوا صراحة استياءهم منه. ويعد ترامب بسحق "داعش"، وتهشيم "الضرائب". وقد يقرر الجمهوريون، خصوصاً إذا خشوا من سياسات الديمقراطيين في الاقتصاد ودعم الطبقات الأفقر، الذهاب لمرشح أكثر اعتدالا، مثل جون كاسيش، حاكم ولاية أوهايو، الذي يبدو ثاني أقوى مرشح جمهوري الآن. لكن إذا مال الجمهور للخوف من "اشتراكية/ ليبرالية" الديمقراطيين، فقد يكون ترامب البديل.

نحن أمام حملة أميركية فيها شبه اتفاق بين المرشحين، أنّ مكانة الولايات المتحدة على قمة الهرم العالمي تزعزعت. ويتفاوت المرشحون في السياسات التي يقترحونها لعلاج مظاهر التعثر الأميركي، وإن اتفقوا على ضرورة المعالجة. وبالنتيجة، نحن الآن أمام ثلاثة وجوه بارزة، قد لا تفوز بالضرورة بمقاعد حزبيها للترشيح؛ فنحن أمام كلينتون التي تؤيد نوعا من التدخلية أعلى من أوباما، وساندرز الذي يبدو للوهلة الأول على الأقل، أكثر حتى من أوباما تركيزاً على البيت الداخلي، وترامب الصاخب الكاريكاتوري، ولكن يجب أن نميز بين تصريحاته الانتخابية وسياساته الفعلية لو وصل للبيت الأبيض.