هل حققنا التناصف حقا؟!
أتجول في زقاق الفكر، عارياً من أية شوائب، أشاهد كيف تنبض الشوارع وكيف تسير، أترقب كل المارة أمام بصري محدود الرؤيا، فكان أكثر ما يقع على النساء، ليس حباً لترقبي لهم، بل لكثرتهم، لاحظت أنهن أكثر من يقدن السيارات الفارهة، وأكثر من ينتظرن مرور سيارات الأجرة، وأكثر من يجلسن خلف المكاتب بشتى الوظائف، بلحظة كنت سأسأل رقيب السير على دوار الداخلية أين شباب البلد؟ لكن الحمدلله تمالكت نفسي عند اللحظة الأخيرة، فرقيب السير حينها كانت فتاة!...
قلة عدد الشباب طبعا لا يعود لقوة كروموسوم (K ( y بل لأن معظم الأعمال الحياتية تحولت لهذا الكروموسوم، ولأن النظرة التسويقية تغيرت من مبدأ الدهاء بالإقناع لجمال المنظر ودلع اللسان.
فمنذ جاء الإسلام وأعطى المرأة حقوقها، بعدما كانت توأد بلا رحمة، تتبعنا خطوات ديننا الحنيف بلا كلل أو ملل، حتى أُلفت بعض الكتب منذ قرابة خمسة عشر عاماً بعد المئة،كانت تدعوا لحرية المرآة وفك القيود المرتبطة بها، ويتبع لذلك الثورة النسائية التي قامت في 20 مارس 1919م معلنة البداية في خلع زغلول حجاب هدى شعراوي في الإسكندرية، وأصبحنا نرى تناسلاً لتلك الجماعات في كثير من الأماكن مطالبين بحقوق المرأة كنصف المجتمع، ومن هنا بدأت التساؤلات تجول في فكري, إن كان الدين قد أنصفهم، لما يخالفونه الآن ويطالبون بالمساواة بميزان ليس بعادل؟
كانت البداية بخلع الحجاب، والمساواة بالإرث، وتقييد الطلاق، كحرية للمرأة، والآن بالتزاحم مع الرجل بالوظيفة، وبإدارة الأمور الاجتماعية، واعتلاء المناصب وغيرها، تختلف المسميات والوجهة لديهنّ واحدة، لكن إلى أين؟ فهل كل من تنادي بتناصفهم للرجل في المجتمع يعرفن ما هي أشكال ذلك التناصف؟ أو ما هو مفهوم التناصف الذي يبحثن عنه؟
لا برأيي أعتقد ذلك، فالمناصفة تأتي للأمر الذي يرونه مناسباً لطموحاتهم. فقد باتت المرأة تعمل والرجل في المنزل يربي الأبناء، حتى بتنا نشكر النساء لتكرمهن بولادة أطفالنا, فلما لا تكون نادلة مثلا في مطعم لا يدخله سوى الشباب فقط؟ كما يحدث العكس الآن, أو أن تعمل في محل لتصليح الأحذية؟ أو كدور صبي يعمل في محل لتغيير زيت السيارات؟ أو بما أنها تقتبس دور الراعي لرعيتها جيداً فلما لا ترعى الأغنام مثلاً؟ وقد أثبتت نفسها في ذلك مسبقاً.
وحتى نكون واقعيين، حواء وهي معززة ببيتها لم تكن نصف المجتمع، بل كانت المجتمع كله. لكن الضلع الأعوج لديها وكأنه يملك مرآة تعكس على العقل، حتى جنت، وتتبعت أهواء المنفتحين على الحياة بطريقة عمياء. فباتت لا تمثل المجتمع بالطريقة المرغوبة والتي تحفظ هويتها ومكانتها، وبدأت تسير على نهجهم وعلمهم. وعلى ذاك النهج فحواء الآن تعدت بحقوقها نصف المجتمع وعلى آدم المطالبة بحقوقه ليكون نصف المجتمع، متساوياً مع حواء!
ومن جهة أخرى، فلطالما يسعين للتناصف، لما لا يكون لنا حقوق كأن تدفع حواء نصف المهر المطلوب, وتتحمل نصف أثاث المنزل وإجاره، ونصف المصاريف الشهرية الواجبة عليهم، لأن بتناصفهم أخذوا الحق بوظيفة الرجل، فبات لا يستطيع الزواج, فلذلك يجب أن يتقاسموا تكفيراً عن ذلك الذنب. فالزواج بات معضلة ترهق فكر الشباب، فبعد أن تملكت حواء الوظيفة باتت تخشى على الأوراق النقدية التي تكسبها، فتؤخر زواجها لبعد الثلاثين، فتظلم الشاب بقلة الفرص ليجد فتاة صغيرة يتمتع معها, بل لتزيد الطين بلة إذ تطلب مهرها رأس كليب، والسبب أنها موظفة! متناسين عمرها الطويل، والخطوط التي بانت تحت أجفانها.
ويبقى السؤال هل ستقف مطامع حواء إلى هنا، أم سيستمر الزحف؟ وهل بطلبها للتناصف مع الرجل في المجتمع تقصد أمراً آخر؟
*انتظروا مادة الرد لربا قنديل المفرقة في عدد مجلة نفرتيتي #زاوية_ابيض_واسود المعنية بالمرأة وحقوقها