إعادة رسم الصورة
بغض النظر عن نتائج مؤتمر لندن للمانحين، والمبالغ التي تم جمعها تحت شعار «دعم سوريا والمنطقة» والتي يفترض أن ينال الأردن نصيباً منها ، إلا أن خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين قد أعاد صياغة صورة الأردن في أذهان الحاضرين وغيرهم ممن أراد الملك لفت انتباههم إلى أن معايير القيمة الحقيقية للدول ليست محصورة في قدراتها المالية أو العسكرية ، عندما يتعلق الأمر بحرب كتلك الحرب التي يخوضها العالم ضد الإرهاب.
لقد أظهر الأردن قدراته الفائقة في التصدي للإرهاب ، وقدم كل ما يستطيعه في سبيل المشاركة الفاعلة في التحالف الدولي ضد المنظمات الإرهابية ، واستضاف من اللاجئين السوريين ما يفوق طاقته واحتماله ، ويبدو أن المانحين قد وقعوا في عقدة التفوق فلم يقدروا القيمة الحقيقية للمسؤوليات والأعباء التي تحملها الأردن من منطلق الأمر الواقع !
كان مهماً وضرورياً أن يظهر جلالة الملك المساحة التي يتساوى الجميع فيها لتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه ضحايا الحرب في سوريا ، والمآسي التي يتعرض لها الشعب السوري، فقد جاءت الإشارة إلى أن الأردن ليس بلداً فقيراً يطلب الدعم، لكي تؤكد قدرة الملك على وضع الجميع في تلك المساحة الواقعية لكي يكون الدعم المادي مهما بلغت قيمته أقل بكثير من كلفة الكوارث الإنسانية ، وتزايد المخاطر الأمنية على دول المنطقة والعالم لو أن الأردن أغلق حدوده منذ اليوم الأول للأزمة السورية في وجه اللاجئين.
ولم يكن المثال الذي ضربه جلالة الملك بتشبيه واقع اللجوء السوري في الأردن، كما لو أن بريطانيا مطالبة باستيعاب سكان بلجيكا، إلا عنصراً اضافياً لتوضيح حجم الأعباء التي يتحملها الأردن لأنه بلد معطاء وكريم بسخاء ، وهو حين يطالب بنصيب من الأموال اللازمة للتخفيف من معاناة الضيف والمضيف، فذلك حق فرضته الأزمة بكل خلفياتها وأبعادها على المجتمع الدولي كله الذي يواجه اختباراً صعباً لإثبات قدرته على القيام بما هو صحيح.
لا يجوز أن يعاقب الأردن لأنه يفعل ما هو صحيح، وأن تظل الدول المانحة تتفرج من بعيد على معاناة الأردنيين من واقعهم الاقتصادي ، وإلا لماذا يقوم هو بتقديم التزامه القوي تجاه الأمن والسلام الإقليمي والدولي ، ولا يلتزم الآخرون بما هو واجب عليهم تجاه تلك المسؤولية المشتركة ؟
لا أبالغ إذا قلت ان خطاب جلالة الملك أمام مؤتمر لندن لم يرسم صورة جديدة للأردن، ودوره الحيوي في هذه المنطقة، ومدى قوته، ومتانة موقفه، وتمسكه بالقيم الأخلاقية والإنسانية وحسب، بل إنه يشكل منهجا بالنسبة لنا يدعونا نحن أيضا إلى تعديل نظرتنا تجاه بلدنا ، لنحتفظ بقدر معقول من احترام الذات والثقة بالنفس.