في سوريا : ازرع ثورة تحصد رؤوس ... سيف القمع .. ورقاب الشعب

أزمة مقابل أزمة، جملة توصف المشهد السوري،  شد أنظار العالم اليه، بعد انشغاله في ليبيا، التي تحتاج لطول ترقب ونفس.

سوريا، باغت الاضطراب الرئيس الأسد، توقيتا واتساعا، نتج عنه صدمة وخوف من سقوط عرينه، القتلى و الجرحى بالمئات، الأسد وحيدا سائرا، الشعب يريد كسر القيد، لكن الدولة تزيد الطوق. صورة اهليجية سريالية  مؤثرة جدا ومعقدة جدا، تداخل بها السوري وللبناني، الكردي والسني، الشيعي على خطوط متحدة في الظاهر، متناقضة في الباطن .

ثلاثة أمور عملت مجتمعه على تصعيد الموقف ميدانيا وهي :  أولا : غياب المعارضة المنظمة عن واقع الحراك الفعلي. ثانيا: غياب الإعلام،له كبير الأثر في إخفاء الحقائق. ثالثا:دخول قطاع الشباب، كلاعبين جدد  للمشهد السياسي الحركي .

عطفا على الاضطراب، لم يسجل كاتب التاريخ، وجود ثورة دون ضرائب، لابد من التضحية، من درعا انطلقت الشرارة الجمر لتصل كافة الأنحاء، سقط مئات القتلى والجرحى، جراء الاستخدام المفرط للقوة، من قبل قوات الأمن المركزي، والشبيحة – لفظ في اللهجة السورية يقبله لفظ بلطجية في اللهجة المصرية والزعران في الأردنية – الأمر الذي جعلها تأخذ منحى أخر أشبه بالحالة الليبية. خيارا بعد خيار، تشعرنا صورة بالخطر الداهم، أكثر مما تنقله وسائل الإعلام محدودة المصادر التي انقسمت هي الاخرى "مع وضد "، الخطر إن كتب له النجاح، سيفتح نوافذ الثورة على مصراعيها، بحيث تصير الطريق سالكة، لتصل بقطارها الخليج !!  فشل الدولة في التعاطي مع الحراك، نتج عنه انفجار غضب الشارع، شارع عمد بالدم فأعطى الدم المشروعية لكسر حواجز الخوف. إن بقاء الاضطرابات يقود إلى سيناريو من ثلاثة المشاهد التالية :

السيناريو الأول قومي عربي إقليمي:  تمثله الجزائر ليبيا إيران اليمن بالإضافة لقطر، يدعم الإسراع في الاتخاذ إجراءات لازمة تحول دون تأزم الأوضاع، كما الحالة الليبية أو اليمنية، هذا يتطلب العمل بسرعة على إصدار قرارات مصيرية تحفظ الدولة، قرارات قد تصل لحد التخلي عن جزء من السلطة في سبيل حفظ الدولة. بخاصة وان الدولة فشلت في التعاطي مع الاضطرابات نتيجة أمرين ندهما غاية في الأهمية عملا على تأزيم الموقف ،هذين الأمرين هما :

أولا : القصور في إدارة الأزمة والتعاطي مع نتائجها، نتج عنه فشل في الاحتواء الناعم. ثانيا : إنكار الدولة للازمة بينها وبين الشعب، قاد إلى معارك كسر عظم لن تهدا .

السيناريو الثاني امني: تقوده أمريكيا وإسرائيل وان بشكل مضمر، يفضل بقاء الأسد، مع إجراء بعض من الإصلاحات الحقيقية، أصحاب هذا التيار يضعون امن إسرائيل نصب أعينهم، حيث يعتبرون وجود الأسد قفل أمان لها. أمريكيا كما إسرائيل، تنظر  لسوريا كأنها شتاء مظلم، قد يحمل عواصف لم تكن بالحسبان، تجبرها لإعادة حساباتها أكانت محاورا أم استراتجيا. خاصة وان القيادة الإسرائيلية تخاف أن يسفر ذهاب النظام الحالي إلى انتاج  نظام أكثر تطرفا يقض مضجعها ويعمل على تهديدها .

رئيس الوزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يقول :" نود أن نرى في كل مكان، بما في ذلك بسوريا، إصلاحات جادة للديمقراطية وانبثاق حقيقي لها. فهذا ليس تهديداً لأي منا." هذا التصريح الغامض يتناقض مع رؤية خبراء الدولة الذين يفضلون بشار ووضع مستقر في سوريا مع إصلاحات حقيقة، على سقوط الأسد، واصعاد أخر مكانه، مناوئ لها ولمشاريعها.الرؤية الإسرائيلية اليوم مصابة بالارتباك وعقم،جراء الغياب ألاستخباراتي على ارض الواقع،ترددها في التدخل،بحيث لا  تنقلب الصورة ضدها،خصوصا وان جاءت الاضطرابات في دمشق،من هو مناوئ لها - أي إسرائيل - ولمشروعها وبتالي وجودها .

أمريكياً، يحضرني قول جون فوستر دلاس وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: إن سوريا موقع حاكم في الشرق الأدنى، هذه اكبر حاملة طائرات ثابتة على الأرض، في هذا الموقع الذي هو نقطة التوازن تماما في الإستراتجية العالمية، هذا الموقع لا يجازف به احد، ولا يلعب فيه طرف. تجدر الإشارة إلى أن كلا من أمريكيا وإسرائيل لا تخافا الثورة الشعبية في سوريا بحد ذاتها،إنما تخاف عواقبها التي لا تتناسب ومشاريعها المبنية على منصات متقدمة امنيا واستراتجيا .

السيناريو الثالث انقلابي عربي: تقوده السعودية والحريري وبشكل مضمر الأردن وإمارات الخليج ومصر، يرتبط بأصحاب السيناريو الأمني، يفضل ذهاب الأسد إلى غير رجعه، لا كرها به، بل كرها في إيران وحركاتها "حماس وحزب الله"،الذي شرع أبواب دمشق لها، إيران التي تفضل الدول العربية قطع ارتباطها النفعي العضوي مع سوريا، على الالتحام العسكري الذي أن حصل فانه سيشعل المنطقة وقد يكون سببا في اشتعال حرب كونية أخرى. من المؤكد أن سقوط الأسد سيؤدي إلى رمي القضية الفلسطينية في الحضن الإيراني من خلال القذف بحماس، التي ستطرد من سوريا .

أن بقاء الصورة وألوانها السوداوية، يأخذ الجميع نحو حمام الدم البركاني، هذا البركان لن يترك من شروره أحدا،بل يجر المنطقة إلى أتون فوضى لا مثيل لها أو شبيه، يحول حلم الربيع العربي  الأخضر إلى خريف مريض اصفر، تسقط الأرواح بدلا من الأوراق،ويكون سبباً في تقسيم المنطقة وإفساح المجال لإسرائيل مشروعا وأيدلوجيا، حسب مخططات اللوبي الصهيوامريكي القائم على مشروع الداهية برنارد لويس، بطبيعة الحال هذا ما لا يرضاه كل ذي عقل .

يحضرني في الختام قول شاعر المعرة  أبو العلاء  :

في اللاذقـيــة فـــــتنــه  ****   ما بــيــن طــه والمســيـــح  

هـــذا بنـــاقوس يـــدق  ****   وذا بِمـــئــــذنةٍ يصـــيــــح

كلٌ يزكّـي ديـــنَـــــــه  ****  يا ليت شعري ما الصحيـح  

الله يرحمنا برحمته ... واللهم ارحم وأغفر وبارك لنا في شامنا ...

خالد عياصرة .

Khaledayasrh.2000@yahoo.com