مؤتمر لندن.. لغة المصالح وليس تأنيب الضمير!

كثيرة هي الأسئلة التي تحتاج إلى توضيح بعد مؤتمر لندن، وباعتقادي أن تصريحات وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور عماد فاخوري قدمت أجابات مبدئية عن الدعم الذي استطاع أن يحصده الأردن من هذا المؤتمر.

بالتأكيد نستطيع القول بأن الأردن نجح بقطف بعض ثمار مؤتمر لندن نتيجة تحضير علمي وتحرك مدروس قادته وزارة التخطيط والتعاون الدولي بتوجيهات ملكية، وقدمت تصورات وحلولا عملية للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين، والأمر الثابت أيضاً أن المخاوف والقلق الأوروبي من تدفق اللاجئين إلى بلدانها قد ساعد في تقبل صوتنا ومطالبنا.

القراءة الأولية في الأرقام التي قدمها وزير التخطيط تكشف أننا حصلنا على مليار دولار سنويا منحاً للتعامل مع ملف اللاجئين ولمدة ثلاث سنوات، وأيضاً ملياراً و 900 مليون دولار تمويلاً ميسراً لمدة ثلاث سنوات، وعلى الحكومة أن تجيب بالتفصيل كيف ستتعامل مع هذه المنح والقروض الميسرة، وهل هناك شروط وآليات محددة لإنفاقها؟!

الشيء المؤكد أن هذه المنح والقروض الميسرة لا تغطي كلفة استضافة اللاجئين سنوياً، وربما شكلت تحسناً ملموساً في الالتزامات الدولية بعد تنصل المجتمع المدني من التزاماته وإدارة ظهره للأردن في السنوات الماضية.

في كل الأحوال يظهر مؤتمر لندن حقائق لا يمكن التهرب منها، أبرزها أن قضية اللاجئين السوريين في الأردن لن تنتهي في سنوات قليلة، بل ستستمر وعلى الأردن التعامل مع هذه المعطيات والتكيف معها، فهناك دراسات دولية تقدر أن يمكث اللاجئون 17 عاماً في الدول المضيفة لهم، ولهذا بدأت الحكومة تتحدث بلهجة جديدة ترتكز على آليات ادماج السوريين في سوق العمل بما يقلص من المخاطر الأمنية، ويدفع بجلب استثمارات مستدامة للمجتمعات المستضيفة للاجئين، والتي سينعكس ذلك على تطورها وتكيفها وبناء مهارات لأبنائها في فرص العمل الجديدة.

التوجهات الجديدة لإدماج اللاجئين في سوق العمل بشكل منهجي تحتاج أيضاً إلى التعامل بحساسية مع المجتمعات المحلية التي يرى البعض فيها أن اللاجئين قوة طارئة على مجتمعاتهم، سلبت وظائفهم وحقهم، والخوف أن تعزز هذه النظرة الكراهية والعداء، ولذلك فالمطلوب مقاربة أبعد من حدود النظرة الاقتصادية وتداعياتها.

التعاطف والاهتمام بالاحتياجات الأردنية في مؤتمر لندن لا يعود إلى إحساس المجتمع الدولي بالتقصير وتأنيب الضمير، وإنما إدراك الدول الأوروبية لمصالحها وتحديداً أن الفاتورة التي تدفعها للدول المضيفة للاجئين مهما كبرت أقل بكثير من الفاتورة التي ستدفعها إذا تدفقت على بلدانها مئات الآلاف من اللاجئين، وهو ما حدث في الأشهر الماضية حين سهلت تركيا اندفاعهم إلى الأراضي الأوروبية، وهو ما خلق حالة هياج واستنفار مجتمعي وأمني في كثير من بلدان أوروبا، وسمعنا خطابا عنصريا فاشياً من بعض قادة دول وأحزاب أوروبية ضد اللاجئين ضاربين بعرض الحائط بكل مفردات واتفاقيات حقوق الإنسان.

إذن استضافة اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا تحديدا تشكل جداراً آمناً وحائط صد ضروريا للبلدان الاوروبية للحد من الهجرة واللجوء، والتعامل مع تبعاتها السياسية والثقافية والأمنية، واستناداً لهذه التطورات كانت أوروبا الأكثر حماساً للمساعدة والنجدة والأكثر سخاء مع أن كل ما قدمه العالم حتى الآن لا يغطي فاتورة اللجوء.

انتهى مؤتمر لندن بتعهدات لمساعدة الأردن وعلى الحكومة أن تكون حاسمة وصوتها عاليا إذا ماطلوا في التزاماتهم، وعليها أن تعمل على جلب مزيد من المنح والمساعدات في هذا الوقت بالذات، فالقروض مهما كانت ميسرة تزيد من عبء المديونية، ونحن في وضع حرج ولا نحسد على ذلك.

يظل بعد ذلك كيف ستدير الحكومة ملف هذه المساعدات والمنح، بحيث تحقق الاستفادة القصوى، وتنعكس على حال الذين تقاسموا رغيف الخبز مع اللاجئين؟

الإدارة الرشيدة لهذا الملف تساعدنا للخروج من عنق الزجاجة وتخفف من الاحتقان المجتمعي وتقوي فرص التعايش والتسامح.