أنفاق غزة

تتكاثر في الأيام الأخيرة التقارير والتصريحات الإسرائيلية المتناقضة، حول وجود وعدم وجود أنفاق تحفرها المقاومة الفلسطينية انطلاقا من قطاع غزة، وصولا إلى أهداف إسرائيلية خلف "الشريط الحدودي” الذي يحيط بالقطاع. لكن كل تلك التصريحات ورغم تناقضها، تختتم بتوجيه التهديدات بشن عدوان جديد على القطاع. ففي كل مرحلة، لدى إسرائيل "عدو مناوب يهدد كيانها بأكمله”، في سعي لإقناع العالم بأنها هي "الضحية”، وليست المعتدي ومصدر إرهاب في المنطقة.

خسرت إسرائيل في الأشهر الأخيرة، واحدة من الأوراق المركزية التي لوحت بها على مدى سنين في الحلبة الدولية: "ورقة المشروع النووي الإيراني”، في سعيها للظهور بمظهر الضحية. لكن الأهم من هذا، هو السعي إلى استبعاد القضية الفلسطينية، قضية الصراع الأساسية في المنطقة. وهي قلقة من احتمال تراجع لهيب النيران المشتعلة في المنطقة وخاصة سورية، فكل هذا من شأنه أن يعيد الأنظار العالمية إلى القضية الأساس، خاصة أن كل رهانها على إخماد المقاومة الشعبية الفلسطينية، يفجّره فتيان صغار. فبغض النظر عن وتيرة الهبّة الجارية، واحتمالات استمرارها على المدى القريب، إلا أن هذا يشكل رسالة واضحة للاحتلال وحكومته، بأن الأمور لن تسير وفق ما خططت له. وهذا يجعل العصابة المسيطرة على المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، تشعر ببدايات أزمة تهدد استمرار حكمها، حتى وإن كان لا يظهر في هذه المرحلة بديل داخلي لها. فبنيامين نتنياهو يقود الحكم بشكل متواصل منذ سبع سنوات، واستخدم ويستخدم كل قبضة حديدية بيده لقمع الشعب الفلسطيني، ولكن كل هذا لم ينجح في إخماد الفلسطينيين، ولهذا يتوقع نتنياهو وعصابته أن يقفوا بعد مرحلة قريبة، أمام المساءلة الإسرائيلية الداخلية، حول جدوى سياستهم ونهجهم.

ويستبق نتنياهو هذه الحالة من خلال بث المزيد من أجواء الترهيب في أوساط الجمهور الإسرائيلي. ومن بينها بث التقارير المتلفزة حول احتمال وجود عمليات حفر أنفاق نحو المستوطنات الإسرائيلية في محيط غزة. وقبل هذا "ابتدع” نتنياهو، كاسم يمثل العقلية الصهيونية الحاكمة، مصطلح لم يعرفه التاريخ من قبل: "الإرهاب الشعبي”، بمعنى أنه ينعت المقاومة الشعبية العزلاء بـ”الإرهاب”. وقد استبق هذا إقرار قانون حكومي، يعتبر إلقاء الحجر في المواجهات "عملا إرهابيا”، تصل عقوبة السجن عليه حتى 20 عاما.

وفي المقابل، وفي الوقت الذي يبث فيه الميدان الفلسطيني رسالته للاحتلال، علينا أن لا نُهمل الميادين الأخرى، الداعمة لمشروع المقاومة، ومنها الحلبة الإعلامية، وخاصة العالمية. فالنهج الدائم للمسار الإعلامي الصهيوني على مدى السنين، يُظهر إسرائيل في دور "الضحية” والواقعة تحت التهديد، وليس المعتدية. وهي دائما تعمل على تضخيم القوة المُسلحة التي في الجهة الأخرى، إن كانت فلسطينية أم لبنانية وعربية أخرى، من أجل "التبرير” أمام الرأي العالمي، للضربات العسكرية التي تعدها. وتختار إسرائيل إظهار قوتها فقط في أوج العدوان وما بعده، لتظهر كمن ترد، وتدافع عن نفسها.

والمشكلة التي نعلق فيها، هي أن إسرائيل تجد في الجهة المقابلة دائما، من يتناغم مع مزاعم "القوة المسلحة الضخمة”. وهذا ليس دائما موجها لتحذير إسرائيل، بل على الأكثر من باب فتل العضلات في الساحة الداخلية، وكسب أوراق فصائلية. ففي اللحظات الأولى لظهور أي تصريح إسرائيلي حول "التهديد القادم من غزة”، تجد من يغذيه بتهديدات أكبر، حتى يُخيّل أن الحديث يجري عن جيشين متوازيين من حيث حجم القوة.

إن المعركة الإعلامية على صناعة الرأي، جزء مهم ومركزي في المعركة العامة. فالحق في المقاومة ضد المعتدي، وبالمسارات التي تدفعك حقا نحو التحرر، ولو ببطء، يجب أن لا يُغيّب عن الواجهة حقيقة أنك الضحية، فهذا لا يُظهرك ضعيفا، بل صاحب حق. وأن من هو أمامك هو المعتدي الغازي الأقوى. وأنك تستخدم الوسائل المتاحة في سعي إلى ردعه وقهره.