"ما بعد لندن"!

يجلس الوفد الأردني، اليوم الخميس، ينتظر ثمرة جهود دبلوماسية مكثّفة وشاّقة بذلها المسؤولون في عمّان لتعريف العالم بحجم مشكلة اللاجئين وخطورتها، بعد أن ختم الملك مسار الإعداد لذلك برسالتين مكثّفتين: الأولى، في مقابلة، غير مسبوقة بلغتها النارية، مع محطة "بي. بي. سي" البريطانية. والثانية، مقال أمس في صحيفة "الإندبندنت". وفي كلتيهما رسالة واضحة؛ المساعدات ليست منّة، ولا أمراً ثانوياً، هي استحقاق وواجب على المجتمع الدولي أن يقدمه للأردن، ليس من باب إنساني فحسب، بل أمني أيضاً، لأنّ الأردن يتحمل عبئاً كبيراً عن المنطقة بأسرها في تعامله مع ملف الحدود واللاجئين، وهناك جحود دولي وعربي إزاء هذا الدور الذي لن يبقى كما هو إذا ما خذلنا المجتمع الدولي هذه المرّة!

مؤتمر لندن، اليوم، هو إذن "خطّ أحمر" رسمه الملك للمجتمع الدولي والعرب، الذين قصّروا كثيراً في دعم ومساندة الأشقاء اللاجئين، كما كشفت منظمات دولية معنية بالأمر. وما يطلبه الأردن اليوم واضح وصريح؛ مساعدته من قبل دول الاتحاد الأوروبي في تسهيل بنود قواعد المنشأ لتعزيز دخول صادراته إلى الأسواق الأوروبية، واستقطاب الاستثمارات الأوروبية التي توفر فرص العمل للشباب الأردني، وتمكين الأردن من إيجاد فرص عمل للاجئين لمساعدتهم على الاندماج الاقتصادي إلى حين حلّ معاناتهم الطويلة!

ما هو سقف التوقعات للاستجابة الأوروبية والغربية والعربية اليوم؟

ما يسمعه المسؤولون الأردنيون مشجّع تماماً لهم. وهناك وعود من مسؤولين أجانب كبار بتحقيق جزء كبير من المطالب الأردنية. وبالرغم من تشكّك البعض في هذه الاستجابة، بخاصة ما يتعلّق بتسهيل عبور البضائع الأردنية، إلاّ أنّ دبلوماسيون غربيين في عمّان يؤكدّون أنّ هناك توجّهاً جدياً بمساعدة الأردن، بهذا الخصوص.

لكنّ، وهنا موضوع من الضروري تماماً أن نضع تحته خطّين عريضين، هؤلاء الدبلوماسيون أنفسهم يقولون "سنقوم بدورنا، وسنرفع كثيراً حجم الدعم للأردن، لنساعدكم. لكن لدينا شكوك كبيرة في قدرتكم أنتم على مساعدة أنفسكم. واجبنا سنقوم به، ويبقى عليكم القيام بواجبكم"!

شكوك خطيرة، وتؤشر على ضعف ثقة هؤلاء الدبلوماسيين في نجاح الأردن في توطين الاستثمارات واستغلال الفرص التي سيفتحها لنا الاتحاد الأوروبي. فهناك، كما يقولون، شروط بنيوية لجذب الاستثمارات وتشجيعها، مرتبطة بالاستقرار الأمني الكامل، والبنية التحتية، والقوانين والتشريعات، والبيروقراطية، والاستقرار الضريبي والتخفيضات المطلوبة، أي بالعقلية الإدارية الأردنية.

لا يخفي دبلوماسي غربي متتبع بشدّة لملف اللاجئين في الأردن، عدم قناعته بأنّ الأردنيين سيستفيدون من فرص العمل التي من المتوقع أن يتم توفيرها. ويقول: "عموماً، نعتقد أنّ هناك مبالغة كبيرة في تقدير تأثير السوريين على فرص عمل الأردنيين، وإلاّ فهناك اليوم مئات الآلاف من العمّال العرب والآسيويين الوافدين، بينما الأردنيون يستنكفون عن هذه الأعمال التي يقبل بها السوريون"!

أجبته بالقول إنّ هذا الحكم فيه تعميم واختزال للمشكلة الداخلية. فهو إن كان جزئياً صحيح، إلاّ أنّ الأشقاء السوريين لا يعملون فقط في قطاع الإنشاءات والزراعة والمهن التي لا يوجد فيها أردنيون كثيرون، بل إنّ تواجدهم الأساسي في قطاع الخدمات، وحتى العمالة المصرية فهي منتشرة في هذا القطاع، كما أنّ نسبة كبيرة من الأردنيين تتحدى الثقافة السلبية من العمل اليوم، لكن المشكلة في قوانين العمل التي تحتاج إلى إصلاحات جوهرية.

بيت القصيد أنّ "واجبنا المنزلي" كبير، والتعاطي مع "ما بعد لندن" في ملف اللاجئين يتطلب حكومات إبداعية في إصلاح أسواق العمل وقوانينه وفي بناء الأجندة الإعلامية، وليس فقط دعاية وهمية فلكية هزلية حول أرقام توظيف بعشرات الآلاف لا أحد يصدقها، حتى موظفو وزارة العمل نفسها.