الأبنية الخضراء
الأبنية الخضراء (4)
من المؤكّد ان لا يخطر ببال احد ان المبنى الأخضر هو المبنى الذي تدهن واجهاته باللون الأخضر او الذي يغطيه سقف من القرميد ذو اللون الأخضر وذلك لأنه اصبح من المعلوم للكثيرين ان الأخضر كصفة تلصق لأي شيئ رفيق بالبيئة.
ومفهوم الأبنية الخضراء دخل الى قاموس العمران والإنشاءات ليس منذ زمن بعيد وإنما مع تطور إهتمام العالم بقضايا البيئة والتلوُّث وبعد سنوات من مؤتمر ريو الذي ربط البيئة بالتنمية .
وعلى مستوى المنشآت أصبحت هناك مراكز تجارية عالمية متخصصة في بيع السلع الخضراء التي تنتج بطريقة آمنة بيئيًا، وأطلق على هذه المتاجر "المتاجر الخضراء" وأصبحت تلقى إقبالاً كبيرًا من المستهلكين، وفي السنتين الماضيتين أصبحت بعض مؤسسات التمويل الدولية والقومية في بعض الدول تمتنع عن تقديم تمويل أو دعم للمشروعات التي لا تراعي الجوانب البيئية,كما أن هناك بنوك لا تمول أو تساهم في مشروعات تلوث البيئة؛ وعرفت هذه البنوك بأنها " بنوك خضراء" وظهر التمويل الأخضر؛ والذي أصبح مجالاً جديدًا للتنافس بين البنوك لجذب عملاء جدد.
ورغم الاهتمام العالمي والإقليمي والقومي بالبعد البيئي للتنمية إلا أنه يبقى عنصر هام جدا لتفعيل عملية الحفاظ على البيئة وضمان تواصل عملية التنمية؛ هذا العنصر هو: الوعي البيئي للفرد نفسه والذي إذا توفر فإنه يكون أكثر فاعلية من سن القوانين والتشريعات، ويوفر كثيرًا من الجهد والمال، ومن ذلك إشاعة التعاليم الإسلامية التي تحث على الحفاظ على البيئة بسلوكيات محددة تجلب له كرامة واحترامًا في الحياة وأجرًا وثوابًا في الآخرة.
وتحقِّق المباني الخضراء استدامة انشائية وبيئية، كما تقدم الكثير من المنافع والفوائد لمالكي المباني ومستخدميها, فتكاليف البناء المنخفضه وتكاليف التشغيل المنخفضه والراحه المتوفرة والبيئة الداخلية الأفضل صحيا، بالاضافة لتكاليف صيانة أقل وعمر افتراضي أطول، فتلك جميعا من خصائص وفوائد المبنى الأخضر,
والمبني الأخضر هو المبنى الذي يراعي الاعتبارات البيئية في كل مرحلة من مراحل البناء، وهي التصميم، التنفيذ، التشغيل والصيانة، والاعتبارات الرئيسية التي تراعى هي تصميم الفراغات وكفاءة الطاقة والمياه، وكفاءة استخدام الموارد، وجودة البيئة الداخلية للمبنى، وأثر المبنى ككل على البيئة,والفرق الرئيسي بين المباني الخضراء والمباني التقليدية هو في تحقيق مفهوم التكامل، حيث يقوم فريق من المتخصصين في كل مراحل ومواد البناء بالعمل معا منذ مرحلة ما قبل التصميم الي مرحلة ما بعد السكن لتحسين خواص الاستدامة البيئية للمبنى وتحسين الأداء والتوفير في التكاليف.
والمباني الخضراء توفر العديد من المزايا للعديد من الجهات المعنية بصناعة البناء، بما في ذلك سكان المباني والمجتمع ككل.
والمباني الخضراء تشمل في العادة جودة هواء أفضل، اضاءة طبيعيه وفيرة، توافر اطلالات، ومكافحة الضوضاء والتي تفيد شاغلي المبنى، مما يجعل هذه المباني مكان أفضل للعمل الجيِّد أو المعيشه المريحة.
من السمات الاساسية في المباني الخضراء التشديد على حماية التوازن البيئي الموجود، وتحسين البيئات التي قد تكون قد تضررت في الماضي, وعادة ما تشيّد المباني الخضراء في الأراضي الحساسة بيئيا، مع أخذ التدابير اللازمه لاستعادة الحياة النباتية. كما ان المباني الخضراء أيضا تستفيد من أقل قدر ممكن من المواد، من خلال تصميم جيد واهتمام بإزالة المواد غير الضرورية في التشطيبات, وبالإضافة إلى ذلك فإنّ بناء تلك المباني يرشد في استخدام المواد وكذلك إعادة تدوير المياه المستعملة.
كما أنّ كفاءة استخدام الطاقة هي واحدة من أهم العوامل في تصميم المباني الخضراء, من الاختيارالدقيق للنوافذ، والعزل الجيد للحفاظ على درجة حرارة الهواء، وعزل مواسير التكييف، والوضع الصحيح لعوازل البخار والهواء، واستخدام الطاقة النظيفة في التدفئة والتبريد،وكل تلك الأمور تجعل المبنى كفء في استخدام الطاقة.
إضافة إلا أنّ استعمال الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية أو الطاقة الحيوية، لتلبية الاحتياجات من الطاقة تقلل إلى حد كبير من الصفه الكربونيه الملوِّثة لهذه المباني.
ومهندسوا البيوت الخضراء يشدّدون على الحفاظ على الماء باستخدام أنظمة أكثر كفاءة لضخ المياه واعادة استعمالها، وترشيد المياه يعد خاصية أخرى مميزة للمباني الخضراء والتي تساعد في تخفيض الاثار الضارة لاستعمال المياه على البيئة المحيطة كالبيئات البحرية مثلا.
وقد أسهمت الزيادة في الأمراض التنفسية والحساسية والمواد الكيميائة التي تطلق الغازات في الهواء، في زيادة الوعي على أهمية الهواء داخل المنازل,حيث أنّ المباني الخضراء تركز ايضا على تقليل الأمراض التنفسيه والحساسية عن طريق تحسين الهواء داخل المنازل عن طريق التحكم في مصادر التلوث وتقليلها والقضاء عليها من خلال التنقية والترشيح.
وقد ظهرت جهات دولية وخاصّة تعمل على إدخال مفاهيم المباني الخضراء وتقييم ذلك ومنها منظمات LEED (Leadership in Energy and Environmental Design), BREEAM (BRE Environmental Assessment Method) وايضا Green Globes والتي تعتبر من أشهر منظمات التقييم والتقدير في العالم.
ولتطبيق الشروط البيئية في مشاريع المقاولات الإنشائيّة يتطلب وجود مختصّين لمراقبة الأعمال من النواحي البيئية وتقديم التقارير باستمرار من اجل الوصول لصفر حوادث ويتطلب ذلك من المقاول تقديم (Contracting Environmental Management Plan)وهي خطة المقاول للإدارة البيئية للمشروع والتي يُرفق بها خطّة إدارة المرور (Traffic Management Plan) في منطقة الموقع والقريبة منه والمداخل والمخارج والسرعات المحدّدة وكذلك خطة ترتيب الموقع (Logistic Management plan )إضافة لخطّة إدارة المخاطر (Risk Management Plan) ومن اهم الخطط هي خطة إدارة النفايات الصلبة (Solid Waste Management Plan ) والتي تشمل عملية التدوير وإعادة الإستخدام وكذلك خطة إدارة النفايات الخطرة (Hazardous Waste Management Plan) وتتضمن هذه الخطط مواقع تشوين المواد وسكن واستراحة العاملين ودورات المياه وأماكن مياه الشرب والعيادات العمالية ومراكز الإسعاف الأولي ونقاط التجمع في حال حدوث حالة طوارئ وابراز تعليمات الحماية والأمان والدخول والخروج من الموقع واستخدام ملابس واحذية العمل وتعليمات بخصوص التوصيلات الكهربائية وفحوصات الروافع البرجية والاليات الثقيلة وحواجز المواقع الخطرة وغير ذلك من تعليمات ترشيد المياه والطاقة والتخلص من النفايات العمالية واماكن غسيل سيارات الخرسانة الجاهزة وطريقة تغطية السيارات الناقلة للمواد للموقع ومراقبة الضجيج وتثبيت أنواع التنوُّع الحيويّ من نبات وحيوان والمناطق الأثرية والتراثية الموجودة في الموقع .
وقد انتبهت بعض الدول العربية الى ضرورة تطبيق الإشتراطات البيئيّة في المشاريع الإنشائيّة فعملت على إصدار التشريعات اللازمة وتعديل التشريعات القائمة كما انشآت العديد منها مجالس الأبنية الخضراء او إدارات الإقتصاد الأخضر كما عملت على تأسيس شركات للتقييم وإصدار الشهادات اللازمة للمتقيِّدين بالتعليمات النافذة وتوجيه الجهات المختصّة لمخالفة الجهات غير الملتزمة بالتعليمات .
وفي الأردن تم تأسيس المجلس الأردني للأبنية الخضراء وهو جمعية اردنية مهنية غير ربحية تأسست عام 2009 تضم بعضويتها شركات وخبراء من مختلف الأعمال والتخصصات المرتبطة بتصميم المباني وتزويدها وإنشاءها, وتكمن رسالة المجلس في نشر مفاهيم المباني الكفؤة والرفيقة بالبيئة وتعزيز تطبيقاتها العملية على أرض الواقع,وقد اعلن المجلس العالمي للابنية الخضراء المجلس الاردني في شهر نيسان من عام 2012 كمجلس كامل العضوية, يعمل المجلس على تطبيق غاياته من خلال تعزيز الكفاءات الفنية المرتبطة بالأبنية الخضراء و على زيادة الوعي لدى مالكي ومطوري ومستخدمي الأبنية و كذلك التأثير على متخذي القرار لجعل البناء الأخضر واقعاً ملموساً في الأردن يتم التقيُّد بتعليماته وشروطه.
ويضم المجلس في عضويته نخبة من الشركات والمختصين في الأبنية الخضراء كما أن المجلس الاردني للأبنية الخضراء هو الممثل الرسمي للمجلس العالمي للابنية الخضراء في المملكة الاردنية الهاشمية، ضمن شبكة عالمية تضم اكثر من 80 مجلساً من مختلف انحاء العالم.
وعلى المستوى الرسمي فقد تم إنشاء دائرة الإقتصاد الأخضر من ضمن مديريات وزارة البيئة الأردنيّة لتكون نواة للإهتمام بتطبيق خصائص وتوجهات الإقتصاد الأخضر على كافة المحاورالمعمول بها في المملكة وهذه الدائرة بحاجة لرفدها بالكوادر المدربة والمؤهلة والكفؤة والقادرة على تغطية العمل في جميع انحاء المملكة .