مكافحة الفساد وآفاق الاستثمار

يخطئ من يظن ان مكافحة الفساد هي قيد على الاستثمار وانها تثير قلق المستثمرين وتقيد متخذ القرار الاداري والاقتصادي في التعامل بمرونة مع طلبات المستثمرين المشروعة والتي تنسجم مع المعايير الدولية في تشجيع الاستثمار، وان تحجيم صلاحيات الهيئة ستؤدي الى توسيع افاق الاستثمار.

مجلس هيئة مكافحة الفساد والذي يرسم السياسة العامة لتعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد ينطلق من رؤية وطنية متخمة بالحرص على تحقيق الامن الاقتصادي والذي يشكل القاعدة الرئيسية للأمن الوطني وعلى رأس متطلبات هذا الامن التعامل مع الملف الاستثماري بحكمة وحرص ومرونة وشفافية بعيدا عن التطرف والانفلات.

الرشوة في القطاع الخاص والمناكفة والاستقواء على الاجنبي من جوانب مختلفة وضيق الافق الذي يولد قلقاً غير مبرر في كثير من الاحيان هي من أهم عوائق الاستثمار، والدولة -أي دولة- عندما تضع ضوابط معقولة تحقق منفعة متبادلة مع المستثمر هو اجراء مشروع ومطلوب ما دامت البنية التشريعية واضحة وسهلة وتخلو من البيروقراطية المقيتة.

تيار المحافظين قيد الاستثمار.. والليبراليون اسهموا في انفلاته وفي منتصف المسافة بين التيارين كنا بحاجة الى خبراء ينطلقون من حرص وطني اكيد لوضع قواعد الاستثمار الرشيد وفقاً للمعايير الدولية والوطنية الراسخة وعلى قاعدة من تعزيز الثقة بين المستثمر والدولة وبما يهيئ بيئة استثمارية جاذبة ومحققة للأهداف الوطنية.

لقد نجح الاستثمار في جنوب شرق آسيا لحرص تلك الدول على تطبيق قواعد الحوكمة ومنظومة النزاهة في التشريعات والسياسات والقرارات الاقتصادية والسياسية بواقعية بعيداً عن المزاجية والمخاوف العبثية والشخصية والابتزاز ، وفي ذات الوقت حققت اهدافا متعددة تخدم اقتصاد تلك الدول، وبعدها جاء دور مكافحة الفساد في التقاط العثرات والاخطاء وترشيدها ومعالجتها دون أن يؤثر ذلك على الاداء العام للاستثمار ويرافق ذلك مرونة وشفافية في الاداء القضائي الذي يوفر الطمأنينة للمستثمر على قاعدة العدالة والمساواة والشفافية وسيادة القانون.

التحدي الأكبر وربما الأوحد لتعزيز البيئة الاستثمارية في الاردن يكمن في حوكمة التشريعات وازالة التناقض والتعارض بينها وتجريم الرشوة في القطاع الخاص ووضع نظام الكتروني للاستجابة لمتطلبات الاستثمار بعيداً عن الامزجة الشخصية للقائمين على ذلك القطاع وعدم المبالغة في منح الاعفاءات لان ذلك سيؤدي الى نتائج عكسية في ثقة المستثمر في صلابة الاقتصاد الوطني.

ان تعزيز منظومة النزاهة في الخطة الاستثمارية يتطلب مراجعة شاملة تعكس الرؤى الملكية السامية وتنفيذها دون اجتهادات فرعية قد تفقد بوصلة الجهد الاستثماري اتجاهه الصحيح الأمر الذي يؤدي الى اعادة انتاج البيروقراطية والعشوائية بثوب جديد.