عن الضيف الأبيض خفيف الظل !

زرعت حوضا صغيرا من النعناع والريحان (الحبق) على شرفة المنزل، وانتظرت المطر، عشية التنافس الاعلامي المحموم على نشر اخبار العاصفة الثلجية، وحالة التأهب القصوى واعلان حالة الطوارئ، خشية قدوم الجنرال الابيض الذي هزم جيوش نابليون في روسيا، وكسر الجيش الالماني على مشارف موسكو. في تلك اللحظة نسينا أن الثلوج فرح الاطفال ولعبتهم أيضا.

حبسنا أنفاسنا، وانحبسنا في البيوت، نبحث عن الدفء، ونلهم ما اشتريناه عبر الوقوف في طوابير التزاحم على شراء الخبز واللحوم والمواد التموينية والكاز والغاز، وكل ما يلزم في حالات الحروب.

ذاب الثلج بسرعة، لأن الضيف الابيض كان خفيف الظل، وبعدها استمعت الى قصص كثيرة حول ايجابيات وسلبيات العزلة، أو الانقطاع عن الخارج، وعن العمل. من الاصدقاء من استغل الفرصة للراحة والنوم الطويل، ومنهم من امضى وقتا طيبا في الكتابة والقراءة، وبينهم من أمضى معظم الوقت أمام شاشة التلفاز، ومعظمهم امضاها في مشاحنات اسرية بسبب التدخل في الشؤون المنزلية، أو صخب الاطفال الذي ادى الى نشوب حروب ساخنة في الاجواء الباردة بين أولياء الامور، ولكن النتائج والعواقب كانت محدودة، وربما سيكون لها تداعياتها وارتداتها في المستقبل.

خلال تلك العزلة القصرية، والحبس الاجباري، وبعد الطوابير الطويلة أمام المخابز، شاهدت خبرا مصورا بثته فضائية «روسيا اليوم» حول المعرض التكريمي للفنان الروسي سيروف، الذي افتتح في موسكو أم الثلوج، بمناسبة مرور 150 عاما، وأن عشاق هذا الفنان من رواد المعرض، وعددهم اربعة الاف، اضطروا للوقوف في طابور لساعات طويلة، رغم تراكم الثلوج والهبوط الكبير في درجات الحرارة، وكان الرئيس بوتن في مقدمة زائري معرض الفنان الروسي الراحل تكريما لفنه وشهرته.

بين المشهدين، أرى أن الفرق كبير بين طابور وطابور، لأن ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. الانسان يحتاج الى الثقافة والفكر والفن في أجواء من الحرية الكاملة ايضا، من أجل الابداع. وهذا الفنان الروسي سيروف يعتبر من الرموز الروسية الوطنية، وهو، للذين لا يعرفونه، صاحب اللوحة المشهورة «الأميرة والثور» التي جسدت اسطورة الأميرة الفينيقية الشابة أوروبا ابنة ملك صور، الذي احبها الالهة زيوس، وجاءها على صورة ثور واختطفها وعبر بها البحر الى اليونان. حادث الاختطاف اغضب ملك صور فأرسل اولاده الثلاثة للبحث عنها، فابحروا الى اليونان (بلاد الاغريق) للعثور عليها، فلم يكن الحظ إلى جانبهم، فأقاموا هناك، وكانوا اول من علم شعوب أوروبا الأبجدية.

وكل ثلجة وانتم بخير..